{وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (٥٩)} الإسراء، فَسَبق القضاء بعدم إرسال الآيات المقترحة من المشركين؛ حتى لا يُعجَّل لهم العذاب كما عُجِّل لمن قبلهم ممن لم يُصدق بها كما هي سنّته تعالى فيمن اقترح الآيات ثم كفر بها.
ومما يوطِّد هذا المعنى ما ثبتَ عن ابن عباس، قال: سأل أهل مكة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجْعل لهم الصَّفا ذهبًا، وأن يُنحِّي عنهم الجبال فيزرعوا، فقيل له: إن شئت أن تسْتأني بهم لعلنا نجتني منهم، وإن شئت أن تؤتيهم الذي سَألوا، فإن كَفَروا=أُهلِكوا كما أُهلك من قبلهم. قال:(لا، بل نستأني بهم) فأنزل الله الآية (١) .
وحصول الكفايةِ بالقرآن لا يقضي بنفي ماعداه من الآيات التي ثبتت في السُّنّة. وبذا يتحرر أنَّ القرآن لم ينف مطلق الإرسال للآيات. هذا من جهةٍ.
ومن جهة أُخرى: أنَّ القُرآن نفسَه أثبت بعض هذه المعجزات كانشقاق القمر، والإسراء والمعراج، والقرآن بمنزلة الكلمة الواحدة لا تقع بين آياته مُنافاة. فليس احتجاجه بالقرآن بأولى من احتجاج المُثبتين للمعجزات. فتكون دلالة العموم في منع الإرسال بالآيات مما أُريد بها الخصوص بدلالة القرآن نفسِه. وبدلالة السُّنّة الصحيحة، وهي:
(١) أخرجه أحمد في "المسند" (٤/ ٢٦ - رقم [٢١٦٦])، والنَّسائي في "السنن الكبرى": كتاب "التفسير" (١٠/ ١٥١ - رقم [١١٢٦])، والحاكم في"المستدرك" (٢/ ٣٩٤) وصحّحه ووافقه الذهبي، وابن جريرفي"تفسيره" (١٤/ ٦٣٥ - ط/هجر)، والواحدي في "أسباب النزول" (٤٧٦)، وذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد" أن رجاله رجال الصحيح (٧/ ٥٠)، وجوَّد إسناده الحافظ ابن كثير في"البداية والنِّهاية" (٤/ ١٣١)، وصححه الشيخان أحمد شاكر في شرحه للمسند (٤/ ٢٦)، و الألباني في "صحيح السيرة النبوية" (١٥٢)