للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجهة الثَّالثة: أنَّ السُّنة قد استفاضت بإثبات آيات له - صلى الله عليه وسلم - غير القرآن، والسُّنّة مُفسِّرة له ومبيِّنة لمعانيه، فورود هذه الآيات فيها مبيِّنٌ عن مراد الله تعالى بكلامه.

ومن الفَوَاقر التي وقع فيها أَصحاب المنهج الوضعي؛ أَنّهم سوَّوا بين الرُّسل - عليه السلام - الّذين امتازوا بخصائص خصَّهم الله بها = وبين غيرهم من الخلق، ولمَّا كان من طرائق إثبات الرّسل - عليه السلام - لنبوَّتهم؛ ما يُجريه الله على أَيديهم من الآيات والبراهين الخارجةِ عن مقدورهم، ومقدور الثقلين، وكان هذا مما يوجب لهم الامتياز عن غيرهم من الخلق، وهو في الوقت ذاته خَرق للسُّنن =سارع أَصحاب المنهج الوضعي إلى نَفْيها، فضلًا عن نفيهم اختصاص الأَنبياء بالوحي.

فانظر -مثلًا-لـ "جوستاف لوبون" حيث يقول: (لو صدَّقنا بالخوارق لرجعنا إلى عصْر الخُرافات) (١) ويقول"جوليان هكسلي" يصف النُّبوّة بأنَّها: (إظهارٌ للتفوُّق بطريقة شاذّةٍ لا يمكن احتمالُها) (٢)

فمنشأ غَلَط أصحاب هذا المنهج هو من جِهة قياسهم الفاسد بين الرسول وبين غيره، مع تحققّ الفرق بينهما، فجحدوا ما فضل الله به هؤلاء الرُّسل - عليه السلام - وخرجوا بذلك عن مقتضى النَّقل والعقل، إذ جحدوا آيات الله الدَّالة على هذا الاختصاص، وكابروا المعقول، إذ النّظر الصحيح يوجب التفريق بين أمرين عند اتصاف أحدهما بما يُوجب امتيازه عن الآخر.

وقد ذكَر الله هذا المانع الّذي يحتجُّ به المشركون في رفضهم الانقياد والاتباع للرُّسُل - عليه السلام - فقال تعالى {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (٩٤)} الإسراء.


(١) "العقائد" نقلًا عن "ظلمات أَبي ريَّة"للعلاّمة محمد عبدالرزّاق حمزة (٢٧١)
(٢) "الإسلام يتحدّى" لوحيد الدين خان (٤٣)

<<  <   >  >>