للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول الإِمام ابن تيميَّة - رحمه الله -: (وجماعُ شُبَهِ هؤلاء الكفَّار أَنَّهم قاسوا الرَّسول على من فرَّق الله بينه وبينه، وكفروا بفضل الله الَّذي اختصَّ الله به رُسُلَه؛ فَاُتُوا من جهة القياس الفاسد، ولا بُدَّ في القياسِ من قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ بين المُشَبَّه والمُشَبَّه به) (١)

وقد التوى الطريق بورثة هذا المنهج من المستغربين، إذ حاولوا تقريب شخصيَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم، بِسَلْبِه ما اختصّه الله به من الاصطفاء، والإِيحاء، والآيات والبراهين الدالة على صدق نُبوَّته؛ وَ قصْر التميُّز في شخصيَّته - صلى الله عليه وسلم - على أَمر ذاتيٍّ نابع عن عبقريةٍ وعظَمةٍ اتّصفَ بهما. وممَّا يُبرهن على ذلك: الانحراف البيِّن الَّذي يعتور تفسير بعضهم (للوحي) فلا يخرجُ في حقيقته عن كونه تفسيرًا إشراقيًّا، أو ماديًّا؛ مقتضاه نفْي الوحي من الله، ونفي المَلَك الموكَّل به، ومِنْ ثَمّ إنكارَ الكتاب الذي أوحاه الله إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم -. (٢) فالنُّبوّة عند "محمد عبده" لا تخرج عن أن تكون فِطرةً فُطِر إنسان فيها على الحقّ علمًا وعملًا؛ بحيث لا يعملُ إلاّ حقًّا، ولا يعلم إلا حقًّا (٣)

والنُّبوَّة عند "مُحمَّد إِقبال" هي: (ضَرْبٌ مِن الوَعْي الصُّوفي يَنْزِع ما حصَّله النبيُّ في مَقام الشّهودِ إلى مُجاوزة حدوده، وتَلَمُّسِ كل سانحة لتوجيه قوى الحياة الجَمْعيَّة توجيهًا جديدًا، وتشكيلها في صورة مستحدثةٍ. فالمركزُ المُتناهي من شخصيَّة النبيِّ يغوص أغوارًا لا نهائية ليطفو ثانيةً مُفْعمًا بقوةٍ جديدةٍ تقضي على القديم وتكشف عن توجيهات جديدة للحياة. وهذا الاتصال بأصلِ وجُودِهِ ليس خاصًّا بأي حال من الأحوال) (٤)


(١) "تفسير آيات أَشكلت "للإمام ابن تيمية (٢/ ٧٢٦)
(٢) انظر: " رسالة التوحيد " لمحمد عبده (١٠٥ - ١٠٦)
(٣) "محمد عبده بين الفلاسفة والمتكلمين" (٣=شرح العضدية)
(٤) "تجديد الفكر الديني في الإسلام"لمحمد إقبال (٢٠٤)

<<  <   >  >>