للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنُّبوَّة عند "نصر أَبي زيد"إنَّما هي إعمال لوظيفة "المُخَيِّلة"التي يشترك فيها جميع البَشر إلَّا أَنَّها تأتي عند الأَنبياء على قمَّة الترتيب! وفي بيان ذلك يقول: (إنَّ تَفْسير النّبوَّةِ اعتمادًا على مَفْهومِ "الخيال" معناه أنَّ الانتقال مِن عالم البَشَر إلى عالم الملائكة انتقال يَتِم من خلال فاعليَّة "المُخيِّلة"الإنسانيَّة التي تكون في "الأَنبياء" بحكم الاصطفاء والفِطرة =أَقوى منها عند مَن سِواهم من البشَر. وإذا كانت فاعليَّة "الخيال"عند البشر العاديين لا تتبدَّى إلَّا في حالة النَّوم، وسكون الحواس عن الانشغال بنقل الانطباعات مِن العالم الخارجي إلى الدَّاخل، فإنَّ "الأَنبياءَ" و"الشُّعراء" و"العارفين" قادرون دون غيرهم على اسْتخدام فاعليَّة "المُخيَّلة"وفاعليتها، فالنبيُّ يأتي -دون شكٍّ- على قِمَّة الترتيب، يليه الصُّوفي العارف، ثُمَّ يأتي الشَّاعر في نِهاية الترتيب) (١)

وأَمَّا الآيات والبراهين الحِسِّية، فقد ارتكبوا كلَّ عَسِرٍ لنفْيها؛ ولَيِّ أعناقِ النصوص التي تُثْبِتها؛ وهذا بيِّنٌ فيما اجترحه الشَّيخ (محمد عبده) عند تناوله الآياتِ الدالّة على المعجزات. (٢)

وحُجة هؤلاء في إنكار المعجزاتِ: أنَّ العلم التجريبيَّ؛ لا يستطيع إثباتَها، ولا نفْيَها، وإِذا كان الأمر كذلك - في نظرهم - فليست هذه الآيات والبراهين حقائقَ علميّة تستدعي الإيمان بها، ولا بمن جاءتْ على يديه.

يجلّي هذه المسألة (محمّد فريد وجدي) (٣) بقوله: «تمتاز العصور النبوية بالخوارق والنواميس الطبيعيّة؛ فأساطير الأديان ملأى بذكر


(١) "مفهوم النَّص"لنصر أبي زيد (٤٩)
(٢) انظر مثلا: " تفسير المنار " (١/ ٣٤٧)، و (٣/ ٢١١)
(٣) في سلسلة مقالاتٍ له كانت تُنشَرُ تباعًا في " مجلة الأزهر " حين كان مدير تحريرها. وقد اختار أن يعنْوِن لهذه السلسة بـ " السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة ".

<<  <   >  >>