للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكلُّ مَن ذهب إلى أن الإسراء لم يكن بجسده - صلى الله عليه وسلم -؛ فإِنَّما كان اعتمادُه على هذا المحْكِيّ.

ولا شكّ أنّ هناك فرقًا بين القول بأن الإسراء كان بروحه، وبين الذهاب إلى أنّه كان منامًا، وفي تقرير هذا الفَرْقِ يقول الإمام ابن القيم: (فرقٌ بين الأمرين؛ فإن ما يراه النائم قد يكونُ أمثالًا مضروبةً للمعلوم في الصورة المحسوسة، فيرى كأنه قد عُرِج به إلى السماء، أو ذُهِب به إلى مكة وأقطار الأرض، وروحه لم تصعد ولم تذهب، وإِنَّما مَلَكُ الرُّؤيا ضَرَب له المثال.

والذين قالوا: عُرج برسول الله - صلى الله عليه وسلم - طائفتان:

- طائفة قالت: عُرِج بروحه وبدنه.

- وطائفة قالت: عُرج بروحه، ولم يُفقَد بدنُه.

وهؤلاء لم يريدوا أن المعراج كان منامًا، وإِنَّما أرادوا أن الروح ذاتَها أُسرِيَ بها وعُرج بها حقيقةً، وباشرتْ من جنس ما تُباشِر بعد المفارقة، وكان حالها في ذلك كحالها بعد المفارقة؛ في صعودها إلى السموات سماءً بعد سماءٍ، حتى تنتهي بها إلى السماء السابعة، فتقف بين يدي الله عزّ وجلّ ... ومعلومٌ أنّ هذا أمرٌ فوق ما يراه النائم) (١)

وقد غَلِط الإمام محمد بن إسحاق - رحمه الله - فظنّ أنّ في هذا المرويّ عن عائشة، وفيما رُوي عن معاوية أنه كان إذا سئل عن مَسْرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (كانت رؤيا من الله تعالى صادقةً) (٢) = ما يدلّ على أنّ الإِسراءَ كان منامًا. وممّا قوَّى ذلك عنده؛ ما جاء عن الحسن البصري - رحمه الله - أَنَّه كان يرى أنَّ سببَ نزولِ قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا


(١) "زاد المعاد"لابن القيم (٣/ ٤٠)
(٢) رواه ابن إسحاق قال: حدّثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، به = انظر: "السيرة النبوية"لابن هشام (١/ ٤٠٠) وسيأتي بيان حاله.

<<  <   >  >>