للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} هو الإسراء والمعراج. فجعل الرُّؤيا هنا رؤيا منام، ثم حمل قول عائشة، ومعاوية على ذلك؛ ولكنّه لمّا رأى الأحاديثَ ظاهرها إثباتُ مسراه - صلى الله عليه وسلم - بجسده دعاه ذلك إلى التوقّف، فتراه يقول بعد أن نقَل المرويّ عن عائشة، ومعاوية - رضي الله عنهما -: (فلم ينكر ذلك من قولهما؛ لقول الحسن: إن هذه الآيات نزلت في ذلك ... وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - يقول: (تنام عيناي، وقلبي يقظان) والله أعلم أيّ ذلك كان قد جاءه، وعايَن فيه ما عايَن من أمْر الله؛ على أيّ حالَيْه كان: نائمًا، أو يقظان = كلّ ذلك حقٌّ وصِدْقٌ) (١)

فتأمّلْ في أنّ ما جَنَح إليه ابن إسحاق - رحمه الله - لم يكن مؤسَّسًا على إحالة عقلية لحادثة الإسراء والمعراج؛ كما هو صنيع المخالفين، وأنّ ما ذهب إليه لا يُشكِل على الإجماع المنعقد؛ ذلك أنّه توقَّف، ولم يجزم بأي الحالين كان منه - صلى الله عليه وسلم -؛ فهو لا يحيل وقوعَ الإسراء بجسده - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجزم به في الوقت نفسه. والتوقُّف غير الجزم - بلاشكّ -. هذا أمرٌ.

والأمر الآخر: أنّه وإنْ جَزَم بأنّ الإسراء لم يكن بجسده؛ بل كان منامًا؛ اعتمادًا منه إلى الروايتين اللتين نقلهما عن عائشة، وعن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهم - = فإنّ جَزْمَهُ لا يقدحُ في الإجماع؛ ذلك لكون مخالفته حادثةً بعد انعقاد الإجماع؛ فهو محجوجٌ به.

فإن قيل: كيف يصحّ ما قرّرته من انعقاد الإجماع، مع وقوع المخالفة من عائشة، ومعاوية - {-، وهما من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم في طبقة التابعين؛ مثل: الحسن البصري؟

فيُقال: هذا ما أرجأتُ الحديثَ عنه؛ ليتبيّن أنّه لا يوجد أحدٌ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا المتقدّمين فيما بلغ إليه علمي= خالَف في


(١) "السيرة النبوية" (١/ ٤٠٠)

<<  <   >  >>