للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولِعالَم الأرواح خصوصية تختلف عن شأن البدن، ومن امترى في ذلك فقد خالف الضرورة التي يجدها الإنسان من نفسه. فأنت تجدُ من روحك تآلُفًا وتناسُبًا لبعض الأرواح؛ حتى لكأنها في غاية القُرب والتجاوُر؛ مع بُعْدِ ما بين جسدَيْكما، وتنائي ما بين شخصيكما. والعكس بالعكس؛ فتجد الروحين المتنافرتين المتباغضتين؛ بينهما غاية البُعد؛ وإن كانت الأجسادُ متجاورةً. (١)

قال ابن قيم الجوزية - رحمه الله -: (ومن كَثُف إدراكُه، وغلُظتْ طباعُه عن إدراك هذا = فلْينظُرْ إلى الشمس في عُلُوِّ محلّها، وتعلُّقِها، وتأثيرها في الأرض، وحياة النبات والحيوان بها. هذا؛ وشأن الروح فوق هذا؛ فلها شأنٌ، وللأبدانِ شأنٌ. وهذه النار تكون في محلّها، وحرارتُها تؤثر في الجسم البعيدِ عنها؛ مع أن الارتباط والتعلُّق بين الروح والبدن أقوى وأكمل من ذلك، وأتمّ. فشأن الروح أعلى من ذلك وألطف) (٢)

- نقضُ تأويل الحديث:

وأمَّا [تأويل الشيخ وليّ الدين الدهلوي فلا مسوّغ له؛ إِذ التأويل فرع الاستحالة. والقطْعُ بامتناع تَعارُض ما هو من شرائط العقولِ مع ما صحّ من المنقول في هذه الأخبار؛ هو المتقرّر، ولا محيص عنه. والتنصُّل من ذلك بمجرّد طروء الاحتمالات الوهمية التي تتولّد في الذهن ليس من مَيَاسِم أهل التحقيق. وقد قال الغزالي - رحمه الله -: (وأمّا الاحتمال الذي لا يعضُدُه دليل = فلا يخرج اللفظ عن كونه نصًّا) (٣) والتنصيص مستفادٌ من ألفاظ القرآن الكريم، ومن استفاضة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استفاضةً تقطع كلّ احتمال.

ثم؛ إنه - فيما يظهر؛ - أراد الفرارَ عمّا أشكلَ عليه في هذا الحديث بالتأويل فوقع في مزالق أعظم مما فرّ منه؛ ذلك أنه فسّر الإسراء - كما سبق نقل كلامه - بِرَدِّ معاني الأحاديث إلى " عالَم المِثال ". ويكفي أن نعلم أنّ " عالَم المثال " لا يوجَد إلّا في الأذهان، وليس له تحقُّقٌ في الواقع. فحَمْلُ كلام المصطفى - صلى الله عليه وسلم - على هذا الضرب من التفسير = عبَثٌ لا شكّ في ذلك.

ثُمّ؛ إن المعاني التي ذكرها على ما فيها من الركاكة = غير معهودة في لسان الجيل الأوّل. ولو كان الأمر غير ذلك لحملت لنا دواوينُ أهل العلم أقاويلَهم الموافقة لما ذهب إليه الدهلوي؛ لكنّ كلّ ذلك لم يكن؛ فعُلِم فسادُ هذا التأويل، وعدم صحّتِه.

وما تقدّم ذِكرُه يحيطُ أيضًا بـ] [*]ـتأويل " محمد حسين هيكل " الذي أوَّل أحاديث الإسراء


(١) انظر: "الرُّوح"لابن قيِّم الجوزية (٦٧)
(٢) "زاد المعاد" (٣/ ٤١) وانظر بيان شيخ الإسلام لمن شبّه الروح وتصرُّفها بالشمس نقله عنه تلميذه الإمام ابن قيِّم في كتابه "الروح" (٦٧)
(٣) "المستصفى"للغزالي (٣/ ٨٦)

[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين ليس في المطبوع، وأضفناه من أصل الرسالة الجامعية

<<  <   >  >>