للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانت رؤية لأشخاصهم وأبدانهم؟ أم كانت رؤيتُه لأرواحِهم فحسب؟ يُستثنى من هذا ... عيسى - عليه السلام -.

فالأوَّل: قال به جماعة من أَهل العلم، وهو ظاهر اختيار الإمام ... البيهقي (١) - رحمه الله - وغيره.

والثاني؛ هو اختيارُ شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (٢). وقد بَسَط أَدلّةَ هذا القول تلميذهُ الإِمام ابن قيمٍ الجوزية (٣).

وقد حكى الإمام ابن رجب الحنبلي القولين، ولم يرجّح (٤).

فعلى القول الثَّاني: تكون رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - لموسى - - عليه السلام - وهو يصلي في قبره رؤيةً لجسده، ورؤيتُه في بيت المقدس وفي السماء رؤية لروحه.

فإن قيل: كيف يصلي في قبره وهو ميت، وروحه في السماء؟

فيقال: أجاب الإمام ابنُ تيميّة عن ذلك بقوله: (وأَمَّا كونُه رأى موسى قائمًا يُصلِّي في قبره، ورآه في السَّماء أَيضًا فلا منافاة بينهما؛ فإنَّ أمرَ الأَرواحِ من جِنس أَمر الملائكة. في اللَّحظة الواحدة تصعدُ وتهبِطُ كَالمَلَكِ، ليست في ذلك كالبَدَنِ) (٥)

فللرُّوح تعلُّقٌ بالبدن بعد الموت، وإشرافٌ عليه. فكما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جسده في قبره مدفون، وروحه في الرفيق الأعلى؛ إلا أن الله يردّ روحه إلى جسده ليردّ السلام على من سلّم عليه من أمته. قال عليه الصلاة والسلام: (ما من أحدٍ يسلّم عليّ إلّا ردّ الله عليّ روحي حتى أردّ عليه السلام) (٦)


(١) انظر: "حياة الأنبياء"للبيهقي (٥٨)
(٢) انظر: "مجموع الفتاوى " (٤/ ٣٢٨)
(٣) انظر: "زاد المعاد" (٣/ ٤١)، و: "الروح" (٦٧)، وانظر: "الأجوبة المرضيّة " للحافظ السخاوي (٣/ ١١٥٧)
(٤) انظر: "فتح الباري"لابن رجب (٢/ ١١٣ - ١١٤)
(٥) "مجموع الفتاوى" (٤/ ٣٢٩)
(٦) أخرجه أحمد في مسنده (١٦/ ٤٧٧ - رقم [١٠٨١٥=ط/الرسالة])، و أبو داود في السنن، كتاب "المناسك "، باب " زيارة القبور" (٢/ ٣٦٦ - رقم [٢٠٤١])، والبيهقي في "السنن الكبرى " كتاب "الحج"، باب "زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - " (٥/ ٢٤٥) والحديث صَحَّح إسناده النَّووي في "الأَذكار" (٢١١)، وابن القيم في "جلاء الأفهام" (١٠٨) وتعقَّب السخاويُ من صححه بقوله في "القول البديع" (٣١٦): (وفيه نظر) وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (٦/ ٥٩٦ - ط/دار السلام): (رواته ثِقات) وتعقَّبه أَيضًا تلميذه السَّخاوي بقوله: (قلتُ: لكن انفراد يزيد بن عبد الله بن قُسيط بروايته له عن أَبي هريرة يمنع من الجزم بصحَّته؛ لأنَّ فيه مقالًا) وحسنه كلٌّ من السخاوي في "القول البديع" (٣١٦)، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (٥/ ٣٣٨) ولعل الأَقرب ما قالاه لحال كل من أبي صخر "حميد بن زياد"و يزيد بن عبد الله المقري فقد تُكلِّم فيهما.

<<  <   >  >>