للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيقال: إنّ مما يدل على أن الرسل من قبلُ كانوا يُبعَثون إلى أقوامهم خاصّةً: ما نصّ عليه القرآن الكريم؛ فالله تعالى يقول: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩)} الأعراف. وقال سبحانه حاكيًا عن هود عليه السلام: {قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦٧)} هود.

وقال عن صالح عليه السلام: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} الأعراف: ٧٣

ومن المعلوم: (أنّ أكمل الشرائع المتقدمة؛ شريعة التوراة؛ مع أن موسى عليه السلام لم يُبعَث إلا لبني إسرائيل، ولمّا أخذهم من مصر، وعبر البحر؛ لم يَعُدْ لمصر، ولا وعَظَ أهلَها، ولا عرّج عليهم ولو كان رسولًا إليهم لمَا أهملهم؛ بل إِنَّما جاء لفرعون ليسلِّم له بني إسرائيل فقط؛ فلما انقضى هذا الغَرَضُ؛ أهملهم، ولم يعُدْ لمصرَ ألبتّة. وإذا كان هذه حديث موسى - عليه السلام - = فغيره أَولى، وقد أخبرنا سيد المرسلين بذلك) (١) .

فإن احتجّ المعترض - وقد فعل - بوقوع الهلاك لجميع أهل الأرض بالطوفان، وما ذاك - حسب زعمه - إلَّا لمخالفة نوح - عليه السلام -؛ فلو لم يكن مُرسَلًا إلى جماعتهم = لما أهلكهم الله بمخالفته، ودعا عليهم.

فالجواب عن ذلك: أنَّ عموم البعثة هنا مِن لزوم الوجود؛ لا أَنَّها في أَصل رسالته - عليه السلام -؛ إذ لم يكن في الأرض عند إرسال نوح - عليه السلام - إلَّا قوم نوح (فبعثته خاصة؛ لكونها إلى قومه فقط، وهي عامة في الصورة؛ لعدم وجود غيرهم. لكن؛ لو اتّفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثًا إليهم) (٢) .


(١) "الأجوبة الفاخرة في الرد على الأسئلة الفاجرة " للإمام القرافي (٩)
(٢) "فتح الباري"، لابن حجر (١/ ٥٧٦) وانظر: "مبارق الأزهار" (٣/ ٧٠)، و: "خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - "، لابن الملقّن (١٧٦)

<<  <   >  >>