للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: وقد جاء في حديث الشفاعة في حقّ نوحٍ - عليه السلام -: (أنتَ أوّلُ الرُّسلِ إلى الأرض) (١) .

فالجوابُ عن ذلك بأحد أمرين:

الأول: أن يقال: ليس المرادُ بالخبر هنا عموم بعثته - عليه السلام -؛ بل المقصود إثبات أوّلية رسالته.

الثاني: أنّه على تقدير أن يكون العموم واردًا؛ فهو مخصوص بنصّ الله تعالى على خصوص بعثته - عليه السلام -، وقد تقدّم ذِكْرُ بعضِها.

وأمّا دفْع السائل لهذا التخصيص الوارد في كتاب الله؛ بأنه إن ثبت فيلزم مثله في رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فتُخَصّ به؛ لأن الله تعالى يقول: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} سورة التوبة: ١٢٨

فيقال: الخطاب في الآية وإن كان خوطب به العرب ابتداءً؛ فلا يلزم من ذلك قصْر رسالته عليهم؛ لأن الله تعالى يقول: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} سورة الأنعام: ١٩ فكلّ من بلغَتْهُ دعوةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فيلزمه الانضواء تحتها، واعتقادها، والعمل بما فيها. وفي تقرير معنى الآية يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (والتحقيق: أنّه خوطب به أوّلًا العربُ؛ بل خوطب به أولًا قريش، ثم العرب، ثم سائر الناس من أهل الكتاب والأميين غير العرب.

فقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ}: الكاف كاف الخطاب؛ فهو خطاب لمن جاءه الرسول، وبَلَغَهُ القرآنُ؛ فهو مخاطَب بهذه الآية، من جميع الأمم، وهو من أنفسهم: من الإنس؛ ليس من الملائكة؛ فإنه لو كان من الملائكة لم يطيقوا الأخْذ عنه.


(١) أخرجه البخاري في: كتاب "أحاديث الأنبياء"، باب"الأرواح جنود مُجنَّدة" (٦٧٩ - ٦٨٠ - رقم [٣٣٤٠])، ومسلم في كتاب "الإيمان"، باب"أدنى أهل الجنَّة منزلة فيها" (١/ ١٨٤ - ١٨٥ - رقم [١٩٤])

<<  <   >  >>