وكذلك قوله:{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ} سورة البقرة: ١٥١: هو خطاب لكلِّ من خُوطِب بالقرآن؛ وهم جميعُ الخلق. والجنّ يدخلون في ذلك أيضًا؛ فإن الرسول إلى الجن والإنس منهم؛ ليس من الملائكة. والجنّ يأكلون، ويشربون، وينكحون؛ كالإنس، ويطيقون الأخذ عن الإنس، ويفهمون كلامهم؛ بخلاف الرسول المَلكي.
وممّا يبيّن أنّه عامٌّ في العرب وغيرهم؛ قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} سورة الجمعة، الآية: ٢ {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} سورة الجمعة: ٣) (١)
فإذا تقرّر ذلك؛ بقي أن يقال: إنّ نكتة اختصاص الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعموم بعثته: أنّ شريعته ناسخةٌ لجميع الشرائع التي قبله، وكتابَه مهيمنٌ على جميع الكتب السابقة، مُبطِلٌ لها؛ فلا يجوز العمل بها، والاعتداد بها. بخلافِ مَنْ قبْلَه؛ فإن اختصاص الرسول بكتابٍ لا يلزم منه إبطالُ غيره. ولذلك استحفظ الله علماءَ كلِّ دين هذه الكتب، ولم يضمن لهم حفظها؛ بخلاف كتابه " القرآن "؛ فهو جلّ جلاله متولٍّ حفظَه. والحكمة في ذلك - والله أعلم - ما أراده الله تعالى من بقاء هذه الشريعة إلى أن يرث الله الأرضَ ومَنْ عليها. ودليلُ هيمنة هذا الكتاب على الكتب السابقة؛ قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} المائدة: ٤٨.
يقول الإمام ابن عقيل - رحمه الله -: (إنّ خصيصة النبي - صلى الله عليه وسلم - حاصلةٌ من جهة خفيّة عن كثيرٍ من العلماء؛ وذلك أن شريعة نبينا - صلى الله عليه وسلم - جاءتْ ناسخةً
(١) "تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء"لابن تيميَّة (١/ ٢٣٦ - ٢٣٨)