للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكلّ شريعةٍ قبلها، فلم يبق يهوديةٌ ولا نصرانيةٌ، ولا دينٌ من سائر الأديان التي جاءتْ بها النبوات إلاّ أمر بتركها، ودعا إلى شريعته.

ومعنى قوله: (كلّ نبي بُعِث إلى قومه): المراد: أنه قد كان يجتمع في العصر الواحد نبيّان؛ يدعو كلّ واحدٍ منهما إلى شريعةٍ تخصّه، ولا يدعو الأمة التي بُعِث فيها إلى غير دينه، ولا يصْرف عنه، ولا ينسخ ما جاء به الآخر فهذه خصيصة لم تكن لأحدٍ قبلَه؛ حتى إنّ نوحًا لم يُنقَل أنّه كان معه نبي فدعا إلى ملّته ملّة ذلك النبي، ولا نسخها وهذا يدفع ما قالوه، وما قدّروه من الأسئلة، وعقّبوه من الأجوبة.

ويوضح هذا: أنّه - صلى الله عليه وسلم - لمّا وجد ورقة من التوراة بيد عمر؛ قال: (ألم آتكم بها بيضاءَ نقيّةً؟ والله، لو أدركني موسى لَمَا وسِعه إلاّ اتباعي) (١) لأنه لا يقدر عيسى - - عليه السلام - - أن يقول في التوراة، ولا في حقّ موسى هذه المقالة = فعُلِم أنّ هذه الخصيصة التي امتاز بها عن جميع الأنبياء دون ما توهّمه السائل من البعثة العامة إلى جميع النّاس، ودون أرباب الشرائع. والله أعلم) (٢)

فَعُلم بذلك بطلان ما اعتُرض به على هذه الأَحاديث، وبان بذا مخالفة المخالفين للأحاديث الصحيحة.

وصدق الإمام ابن قتيبة في قوله: (وفي مخالفةِ الرِّواية وَحشَةٌ؛


(١) أخرجه أحمد في مسنده (٤/ ٣٧٦)، والدَّرامي في باب "ما يتقى من تفسير حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - " (١/ ١١٥)، وحسنه الألباني في "الإرواء" (٦/ ٣٤)
(٢) نقله ابن الجوزي عنه: انظر"مشكل أحاديث الصحيحين" (٣/ ٤٣) وانظر: "الحاوي للفتاوي" للسيوطي (٢/ ٢٩٦)، و"إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد (١/ ١٥٩)

<<  <   >  >>