للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولتوطيد ما سلف؛ أَضرب أَمثلةً تكشف عن دلائل هذه النظرة التشذيبية الاختزالية عند المخالفين؛ ومِن ثَمَّ يتسنّى بَعدُ إِقامةُ النظرة الشمولية السلفية؛ لبيان العلاقة بين العقل وظواهر الأدلة على أَنْقَاضِ النظرة الخَلَفيَّة البدعيّة.

فيقال: إن من أمثلة هذه النظرة الخَلَفِيّة: ما تراه عند القاضي عبد الجبار؛ فإنَّه في الموضع الذي يريد فيه نُصرة مذهبه، يقرر لزوم الأَخذ بظاهر النصّ، امتناعَ أنْ يدل هذا الظاهرُ على غير مراد الله، ثم لا يكون منه بيانٌ يُعْرفُ به مرادُه. وفي بيان نصرته لإيجاب الاستحقاق وإنفاذ الوعيد يقول: (. . . وكذلك الوعد والوعيد، فإنَّا إذا كنا -كما نعلم- أنه تعالى عَدْلٌ حكيمٌ، لا يُلغِز، ولا يُعمِّي، ولا يخلف في وَعْدِهِ ووعيده؛ فلا بُدَّ من أن نعتقد أن مَا وَعَدَ به المؤمنين من الثواب واصلٌ إليهم لا محالة، وما توعد به العُصَاة نازل بهم. وأنه لا شَرْطَ ههنا، ولا استثناء؛ إذ لو كان لبيَّنَهُ. فلا يجوز -وهو حكيمٌ- أن يخاطِبَ بخطاب يُفيدُ ظاهرُه من الأمور، ولا يُريده به = ثم لا يَدلُّ عليه) (١)

ويقول -مُثبتًا "للميزان" الذي دلّت عليه النصوص: (أمَّا وَضْعُ "الموازين"، فقد صَرَّح الله تعالى في محكم كتابه، قال الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} الأنبياء: ٤٧ ... ولم يُرِدِ الله تعالى بالميزان إِلَاّ المعتدلَ منه المتعارفَ فيما بيننا، دون العدل وغيره -على ما يقوله بعض النَّاس-؛ لأنَّ الميزان وإن ورد بمعنى العدل في قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} الحديد: ٢٥ فذلك على طريق التَوسُّع والمجاز = وكلام الله تعالى مهما أَمكن حَمْله على الحقيقة لا يجوز أن يُعدل به إلى المجاز) (٢)


(١) "شرح الأصول الخمسة"للقاضي عبد الجبار (٥٩٨) .
(٢) المصدر السابق (٧٣٥)

<<  <   >  >>