للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَبينما هو كذلك =إذْ بَعَثَ الله المسيحَ ابن مَريَمَ. فَينزلُ عند المَنَارةِ البيضاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بين مَهْرودَتَينِ (١) واضِعًا كَفَّيْهِ على أَجْنِحةِ مَلَكينِ إذا طَأْطَأ رأسَهُ قَطَرَ، وإذا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنهُ جُمَانٌ كاللُّؤلُؤِ. فَلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيْحَ نَفَسِهِ إلَاّ مَاتَ. ونَفَسُهُ يَنْتَهي حيثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ. فَيَطْلُبُهُ حتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ) أخرجه مسلم. (٢)

* * *

تمهيد:

دلّت الأحاديث المسوقةُ آنفًا على جملةٍ من المسائل؛ من أهمّها:

أولًا: إثبات أن للمسيح الدجّال وجودًا موضوعيًا.

ثانيًا: أنّ خروجه من أعظم الفتن التي توارَدَ أنبياء الله تعالى على التحذير منها، وكان أشدّهم تحذيرًا منه، وبيانا لنعوته؛ وكشْفًا عن العِصَم التي تقي منه = نبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم -.

ثالثًا: أن خروجه من أعظم دلائل قرب السَّاعة، وأشراطها الكبرى.

وجملة القول أنّ تلك الأحاديث قد تواترت، ونظَمَها غيرُ واحد من أهل العلم بمخارج الأحاديث في سِلْكِ الأخبار المقطوع بثبوتها.

قال الإمام أبو العباس القرطبي - رحمه الله -: (والذي يجب الإيمانُ به: أنّه لا بُدّ من خروج الدجّال يَدّعي الإلهية، وأنّه كذّاب أعور؛ كما جاء في الأحاديث الصحيحة الكثيرة، التي قد حَصّلت لمن عاناها العلم القطعي بذلك) (٣) .


(١) مهرودتين: أي في شُقّتَيْن أو حُلّتَيْن, انظر النهاية في غريب الحديث (٥/ ٥٨٨) .
(٢) أخرجه مسلم في: كتاب"الفتن وأَشراط السَّاعة"،باب"ذكر الدجَّال وصفة ما معه" (٤/ ٢٢٥٠ - رقم [٢٩٣٧]) .
(٣) "المُفْهِم" (٧/ ٢٦٥) .

<<  <   >  >>