للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدجال، وأن منها ما يكون على جهة التمويه والخداع؛ الذي لا حقيقة تحته. قال - رحمه الله -: (ومما يؤيد أن العلوم العصرية المتنوعة هي من خوارق الدجال: ما تقدم في حديث النواس بن سمعان - رضي الله عنه -: قلنا: يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض؟ قال: (كغيث استدبرته الريح) (١). وهذا بأسباب المخترعات الحديثة من المراكب البرية الهوائية. وقد قال كثير من أهل العلم في قوله - صلى الله عليه وسلم - عن الدجال: (إنّه مكتوب بين عينيه " كافر " يقرؤه كل مؤمن، كاتبٍ وغير كاتب) (٢): إنّ هذا على جهة التمثيل، وأنّ معناهُ: أنَّ أمره واضحٌ، لا يخفى على كل مؤمن أنّه كافر، وأن ما معه ومع أتباعه من الخوارق لا تدلّ على صحة قوله، وإنما هي صناعات ماديّة يشترك فيها البَرّ والفاجر.

ومما يدلّ على أنها تمويهات: ما تقدّم في حديث المغيرة بن شعبة الثابت في الصحيحين، قال: " ما سأل أحدٌ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدجال أكثر ما سألته. وأنه قال لي: (ما يضرك) قلت: إنهم يقولون: إنّ معه جبال من خُبز، ونهر من ماء، قال: (هو أهون على الله) (٣) الحديث. فقوله: (هو أهون على الله) أي: من أن يكون لهذه المذكورات حقائق صحيحة تدلّ على صِدْقِه، وإنّما معه أمورٌ ومخترعات موجودة مشترَكة ... ) (٤).

وقد تأوّل بعضهم ما ورد من الكتابة بين عيني الدجال من أن معنى ذلك ما ثبت من سمات حَدْثِهِ، وشواهد عجْزه، وظهور نقْصه (٥).

وبيان ما في هذه التأويلات من وجوه التعسُّف لمدلول تلك الأحاديث في المبحث التالي.


(١) تقدم تخريجه في المطلب الأول.
(٢) تقدم تخريجه في المطلب الأول.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) المصدر السابق (٣٨ - ٣٩).
(٥) ذكره القرطبي - رحمه الله - ولم يُسمِّ قائله. انظر:"المفهم" (٧/ ٢٦٨).

<<  <   >  >>