للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر الثاني: وهو أنّ الدجال موسوم بصفاتٍ وعلاماتٍ تقوم مقام تكذيبه فيما يدّعيه؛ سواءً من أمر الرسالة، أو أمر الربوبية. وهذه الأمور المُقترنة معه تُبطِل أثر تلك الخوارق، وتزيد اليقين عند المؤمنين بكذبه؛ وإلاّ لما كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - فضلٌ ومزيّة على غيره من الرسل في الإبانة عن أمر الدجال. فإنه عليه الصلاة والسلام قال: (ألا أحدّثكم حديثًا عن الدجال ما حدّث به نبيٌّ قومَه؟) . الحديث (١) .

ولَمَا كان في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنْ يخرجْ وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإنْ يخرج ولستُ فيكم فأمرُؤٌ حجيجُ نفسه) فائدةٌ تذكر. فإن مقصودَه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (فامرؤٌ حجيجُ نفسه) أي: إنْ خرج الدجال ولست فيكم (فليحتج كل امرئ عن نفسه بما أعلمتُه من صفته، وبما يدلّ عليه العقل من كذبه في دعوى الإلهية؛ وهو خبر بمعنى الأمر، وفيه التنبيه على النظر عند المشكلات، والتمسك بالأدلة الواضحات) (٢) .

والمؤمن ببصيرته يسدِّده الله فينكشِف له في أَزمان الفتن مالا ينكشف لغيره ويتبيَّن له صدق الصادق، وافتراء المفتري، والدَّجال أكذب الخلق، وكَذبه ظاهر، لا ينفق على أهل اليقين، لذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ( ... المؤمن يتبيّن له ما لا يتبيّن لغيره؛ لا سيما في الفتن، وينكشف له حال الكذاب الوضّاع على الله ورسوله؛ فإن الدجال أكذب خلق الله، مع أن الله يُجري على يديه أمورًا هائلة، ومخاريقَ مُزَلزِلة؛ حتى أنّ من رآه افتُتِن به، فيكشفها الله للمؤمن حتى يعتقد كذبها


(١) أخرجه البخاري في: كتاب"الأنبياء"باب"قول الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١)} نوح: ١ (٤/ ١٣٤ - رقم [٣٣٣٨]) "،ومسلم في: كتاب"الفتن وأشراط السَّاعة"باب"ذكر الدجال وصفته وما معه" (٤/ ٢٢٥٠ - رقم [٢٩٣٦]) .
(٢) "المفهم" (٧/ ٢٧٦ - ٢٧٧) .

<<  <   >  >>