وقوله:(ثم إنّ رواية الرسول - صلى الله عليه وسلم - له عن تميم الداري - إنْ سلم سندُها من العِلل -: هل تجعل الحديثَ مُلحقًا بما حدّث به النبي - صلى الله عليه وسلم - من تلقاء نفسه، فيُجزم بصدق أصله؟ ... والظاهر لنا: أنّ هذا القياس لا محلّ له هنا. والنبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان يعلم الغيب؛ فهو كسائر البشر يحمل كلام الناس على الصدق .. ). الخ ما سبق نقلُه.
فيقال: قد انطوى كلامُه - رحمه الله - على مآخذ، منها::
أنّ انتفاء علم الغيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس مُطلَقًا؛ كما يظهر من كلام الشيخ وإن كان هذا خلاف مقصوده - قطعًا -؛ بل هو مقصور على ما لم يعلّمه الله جلّ وعلا. هذا أوَّلًا.
ثانيًا: أنّه لا يلزم من كونه - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم الغيب - إلاّ ما علّمه الله إيّاه - = أن يصدّق خبرَ كلّ أحدٍ؛ فإن هذا لا يليق بآحاد العقلاء من الناس؛ فضلًا عن أكمل الخلق - صلى الله عليه وسلم -.
فـ (لم يكن - بأبي وأمي - مغفّلا، ولم يصدّق المنافقين؛ أي: يعتقد صِدْقهم، بل ولا ظنَّه، وإنما كان الأمر عنده على الاحتمال. ولهذا عاتبه الله عزّ وجلّ على الإذن لهم. وهذا واضح بحمد الله.
والعُرَنيون لم يتحقق منهم كذبٌ؛ فلعلّهم كانوا صادقين في إسلامهم، وإنما بدا لهم أن يرتدّوا لمّا وجدوا أنفسهم مُنْفردين بالإبل والراعي؛ بعيدًا عن المدينة.
وقصّة بئر معونة اختُلِف فيها؛ فلم يتحقّق فيها شاهدٌ على ما نحنُ فيه) (١).
الثالث: على فرْض أنه - صلى الله عليه وسلم - يحْمل كلام كلٍّ أحدٍ على الصدق = فإنّ ذلك لا يدوم؛ لنزول الوحي بتكذيب مَنْ كذبَ عليه في حديثه. وقد