فالمتأمل في سياق ما حرّره الإمام ابن دقيق العيد - رحمه الله - يجده لا يُسْعِف الشيخ محمد رشيد رضا فيما توخّاه من الاعتضاد؛ بل هو دالٌّ على نقيض مقصوده. وبيان ذلك: إن الشيخ محمد رشيد رضا - رحمه الله - ساوى بين أمرين مختلفين = سكوتُه - صلى الله عليه وسلم - عن حلف عمر - رضي الله عنه - على أن ابن الصياد هو الدجّال، وبين تحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبر تميم - رضي الله عنه -.
والأمران مختلفان قطعًا لمن تأمّل هاتين الحادثتين، فقول الشيخ محمد رشيد رضا: " هل يجب أن تكون حكايته - صلى الله عليه وسلم - لما حدَّث به تميم تصديقًا له؟ ... وفي معناه: إقراره - صلى الله عليه وسلم - لعمر على حلفه بأن ابن الصيّاد هو الدجّال ... ) (١) = قولٌ غير سديد؛ ذلك أن سكوته - صلى الله عليه وسلم - هو لعدم تحقُّقه من بطلان ما حلف عليه عمر - رضي الله عنه -، فلا يُعد هذا السكوت في هذه الحالة تقريرًا خصوصًا إذا علمت أَنّ من شرْط العمل بالتقرير: ألَّا يعارضه تصريحٌ يخالفه؛ كما هو بيّنٌ في تحديثه - صلى الله عليه وسلم -. وأمّا تحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبر تميم - رضي الله عنه - فهو وإن كان تقريرًا إلَاّ أنّه في أعلى مراتبه؛ لكونه نُطْقٌ لا مجرّد سكوت، هذا النَّطقُ خْرج مخرج الرِّضا والموافقة لِمَا كان يُخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابَه، بعد تجلِّي أمر ابن الصيّاد له عليه الصلاة والسلام = فكيف يُجعل هذان الأمران المتباينان بمنزلة واحدة؟
ثم؛ إنّ عدّه لخبر تميم من قبيل الأخبار التي لا يتعلق بها مسائل شرعية = ليس بجيّد؛ لأنه إذا لم تكن أشراط السَّاعة منها؛ فما هي الأمور الشرعية إذنْ؟
وأمّا قوله - رحمه الله -: (وهل كان [يعني: الرسول - صلى الله عليه وسلم -] معصومًا من تصديق كلّ كاذبٍ في خبره، فيُعد تصديقه لحكاية تميم [- رضي الله عنه -] دليلًا على صدقه فيها؟).