للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقال -على فَرْض إمكان التعارض-: إنَّ التقديم للدلالة العقلية عند التعارض ليس بالنظر لجهة ورودها؛ بل لاتّصَافِها بالقَطْع. فالدليل السمعي يكون قطعيًّا في موارد عدة. ومن نَفَى ذَلك فإنما يخبر عن جَهْله، لا بما هو ثابت في نفس الأمر.

وبرهان إفادتها القطع واليقين ضرورتان:

إحداهما: أَن الصحابة رضوان الله عليهم فهموا مُراده - صلى الله عليه وسلم - من خطابه.

الضرورة الثانية: أنّهم نقلوا إلينا مراده كما نقلوا اللّفط الدَّال عليه (١) .

فإذا تقرر ذلك؛ فكلا الدَّليلين تَعْتورهما القطعيَّة والظنيَّة. فليست القطعية صفةً ملازمةً للدليل العقلي، وليست الظنية محصورة في الدليل النقلي. وعلى هذا؛ فلا يخلوا الحال = إمَّا أن يكون الدليلان قطعيين أو ظنيين، أَو أحدهما قطعي والآخر ظني. فإن كانا قطعيّين فإنه يمتنع حصول التعارض بينهما؛ لأنه يلزم من ذلك الجمع بين النقيضين. وإن كانا ظنيين فإنه يُلْتَمَس طلب ترجيح أحد الدليلين، فأيُّهما تَرجّح كان هو المُقدّم. أما في حالة كون أحد الدليلين -سمعيًّا كان، أو عقليًّا- قطعيًّا كان أوظنِّيًا؛ فإن التقديم حاصل للقطعيّ منهما (٢) .

وبهذا الإجمال يُعْلمُ فَسَاد ما ذهب إليه الرازي ومن وافقه؛ من طريقين:

الأول: نفي التسليم بأصل إمكان التعارض.

الثاني -على تقدير صحة الأصل -: منع الحصر في التقسيم الذي رَسَمَه في قانونه.


(١) انظر: "الصواعق المرسلة" لابن القيم (٢/ ٦٣٧) .
(٢) انظر: "درء تعارض العقل والنقل" للإمام ابن تيمية (١/ ٧٩ - ٨٠) .

<<  <   >  >>