للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النظر في وَضْع الصيغ المجرّدة، مقطوعةً عن سياقاتها. وهذه ليست نهج المتحققين بالأصول.

قال إمام الحرمين ـ - رحمه الله - ـ: «ثم اعتقد كثير من الخائضين في الأُصول عزة النصوص , حتى قالوا: إن النَّصَّ في الكتاب قَولُ الله عز وجلّ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)} الإخلاص: ١ , وقولُه: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} الفتح: ٢٩ وما يظهر ظهورهما. ولا يكاد هؤلاء يسمحون بالاعتراف بنص في كتاب الله تعالى؛ وهو مرتبط بحكم شرعي (١) , وقضوا بِنُدُور النصوص في السُّنة , حتى عدُّوا أَمثلةً معدودة ومحدودة ... = وهذا قولُ من لم يُحط بالغَرض من ذلك. والمقصود من النصوص: الاستفادةُ بإِفادة المعاني على قَطْع , مع انحسَام جهات التأويلات، وانقطاع مسلك الاحتمالات؛ وإنْ كان بعيدًا حُصُولُه بوضع الصيغ ردًّا إلى اللُّغة. فما أكثر هذا الغَرَض مع القرائن الحالية والمقالية! وإذا نحن خُضنا في باب التأويلات , وإبانة بطلان معظم مسالك المؤوّلين ... = استبانَ للطالب الفَطِنِ أَنّ جُلّ ما يحسبه الناسُ ظواهرَ معرّضة للتأويلات = هو نصوص» (٢) .

سياق الآيتين دَالٌّ على ثبوت رفع عيسى - عليها السلام - رَفْعًا حسيًا؛ لا مَعْدى عن ذلك لمن أَنصف.

وذلك من وجوه:

الوجه الأوَّل: أنّ سياق الآيات في بيان بُطْلانِ ما افتراه اليهود مِنْ قَتْلِهِ - عليها السلام -؛ بأنّ القتلَ إنّما وقع على شَبيهِه. لذا عقّب الرّبُّ جلَّ وعلا قولَه: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ} بقوله: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ}


(١) ليس هذا على سبيل القيد , بل الأَخبار داخلة في ذلك من باب الأولى.
(٢) "البرهان في أصول الفقه" (١/ ٢٧٨) .

<<  <   >  >>