للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: {مُتَوَفِّيكَ}: قابضك من الأرض. لِمَا صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من نزوله) (١) .

وقال القرطبي ـ - رحمه الله - ـ: «والصحيح أنَّ الله تعالى رَفَعَهُ إلى السماء؛ من غير وفاةٍ، ولا نوم. كما قال الحسن، وابن زيد , وهو اختيار الطبري، وهو الصحيح عند ابن عباس , وقاله الضَّحاك .. » (٢) .

واختيارُ هؤلاء الأئمة لهذا المعنى ـ أعني: القبضَ ـ مَعَ دَوَرَانِه في كتاب الله على معنيين آخرين؛ هما: قبض الرُّوح، وقبض حِسِّ الإنسان بالنوم (٣) = لم يكن اعتباطًا؛ بل لاعتبارات سَبَقَ بيانها , ومن أَبْرَزِها: دلالة السِّياق. إذْ لو كان المراد بقوله تبارك وتعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} الموتَ؛ لَمَا كان في إضافة " التوفِّي " إليه مَعْنى يختص به عن غيره من الرسل؛ فضلًا عن بقية الخلق. فالمؤمنون يعلمون أنّ الله يقبض أرواحهم، ويعرج بها إلى السماء = فاستبان أنّ في إضافة التوفي إلى عيسى - عليها السلام -، وعطف الرفع الموصول بـ " إلى " على قوله: {مُتَوَفِّيكَ} ليس له معنىً إلا القَبْضُ؛ الرُّوح، والبدن جميعًا. لوجود القرينة الدالة على ذلك.

قال الإمام ابن تيمية ـ - رحمه الله - ـ مقررًا ذلك: «وأمّا قوله تعالى: {يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} فهذا دليل على أنه لم يعنِ بذلك الموتَ؛ إذ لو أراد بذلك الموتَ لكان عيسى [- عليها السلام -] في ذلك كسائر المؤمنين؛ فإن الله يقبضُ أرواحهم، ويعرج بها إلى السماء. فَعُلِمَ: أنْ ليس في ذلك خاصيّة. وكذلك قوله: {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ولو كان قد فارقتْ روحُه جسدَه = لكان بدنُه في


(١) "التمهيد" (١٥/ ١٩٦) .
(٢) "الجامع" (٤/ ١٠٠) .
(٣) انظر:"النكت في القرآن"لأَبي الحسن المجاشعي (١/ ١٩٢) , و"نزهة الأعين النواظر"لابن الجوزي (٢١٣) .

<<  <   >  >>