ولا ريب أَنّ مَنْ طَرقَ جانب التأويل في أي باب من أبواب الشرع دون قرينة شرعيّة توجب ذلك = فإنه يلزمه أَنْ يطرد هذا التأويل في أَبواب الشريعة كلِّها؛ شاء، أم أَبى. ولا خَلَاص للشيخ محمد عبده وأَتباعه ممن بقي فيهم أَصلُ التسليم والتعظيم للأدلة الشرعيّة =من ورطة هذا اللازم إلاّ بالرجوع إلى هَدْيِ السّلف في تعظيم النص الشرعي، وفهمِه وفق ما فَهِمه الرعيل الأوَّل , وفْق أُصول الدلالات التي وظّفوها في فهم النصوص.
وأَمّا من رَدّ هذه الأَحاديث بزعم أَنّها نَتَاج عُقْدة الانتظار، التي نَبَعَتْ في أول أمرها ـ أي: هذه العقدة ـ عند اليهود، ثم انتقلت إلى النصارى، ثم تَسَرَّبت إلى المسلمين = فخطأ؛ لأَنّ هذه الأَحاديث قد تحقَّق أهل الصنعة ـ وهم المحدِّثون ـ من كون أَسانيدها متصلة إلى قائلها؛ وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلا يمكن ـ عقلًا وشرعًا ـ أن يُطْبِق المسلمون على نسبة هذه الأحاديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم يكون حقيقة الحال أَنها مجرد أَثَر سلبي لواقعٍ يعايشه المسلمون. ثم إن هذه الأحاديث قد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَبُثّونها في الأمة؛ مع كون عصرهم عصر انتصاراتٍ، وعزٍّ، وتمكين. وكذا عصر التابعين، ومَن بَعدَهُم. فأي انحطاط كان يعيشه هؤلاء السادة القادة؟!.
وأما وقوع الاتفاق بين أهل الإسلام وبين أَهل الكتاب في قضيَّة عقدية كهذه فأمرٌ لا يُستغرَب؛ فإن هذا من بقايا إرث الأَنبياء. ولكن يبقى أن هذا الموروث عند أَهل الكتاب مُرْتهَنٌ بتصحيح الدين المهيمن على كل كتاب ودين سبقه؛ فإنّه الدِّين المحفوظ إلى قيام السَّاعة , وكتابَه الكتابُ الناسخ لكل الكتب، والمهيمن عليها.