للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تمهيد:

دلَّت الأحاديثُ المُساقةُ على ثبوت فتنة البَرْزَخ، وأنّ في القَبْر عذابًا ونعيمًا للميت؛ بِحَسَبِ عملِه. وذلك مقتضى عدل المولى تبارك وتعالى، وموجبِ أسمائه وكماله، أنْ يُنعِّم أرواحَ وأبدَانَ أوليائه، ويُعذِّبَ أرواحَ وأبدان أعدائه؛ فيُذيقَ بدَنَ المطيع له وروحَه من أنواع النعيم ما يليق به، ويُذيقَ بدنَ الفاجِر والعاصي له، وروحَه ما يستحقُّه (١).

والبَرْزَخ: في اللِّسان: الحاجزُ والحدُّ بين الشيئَيْنِ (٢). ومنه: قوله تعالى: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} الرحمن: ٢٠

وأمّا عند أهل الاصطلاحِ: فاسمُ ما بينَ الدنيا والآخرة؛ من وقْتِ الموتِ إلى البعث (٣).

فإِنْ قِيل: هل ثَمَّةَ فَرْقٌ بين " البَرْزَخ " و " القَبْر "؟

فيُقال: عذابُ القَبْر ونعيمه هو: عذابُ البَرْزَخ ونعيمُه؛ وإنّما أُضيفَ إلى القَبْر لكونه هو الغالب. فتحصَّل من ذلك: أنَّ لفظ البَرْزَخ أَعمُّ من لفظ القَبْر (٤)؛ إذْ قد يموت إنسانٌ ولا يُدفَن في المقابر؛ بِأَنْ تأكلَه السباعُ، أو الطيرُ، أو يُصلَب .. الخ. فهذا له من عذابِ البَرْزَخ ونعيمه حظُّه؛ بِحَسَبِ أعمالِه.

وقد نصّ الأئمةُ على تواتر الأحاديث في إثبات عذاب القَبْرِ


(١) انظر:"الرُّوح"لابن قيِّم الجوزيَّة (١٠٧).
(٢) انظر: "مقاييس اللغة"لابن فارس (١/ ٢٣٣).
(٣) انظر: "تفسير القرآن"للسمعاني (٣/ ٤٩٠)،و "أحكام القرآن" للقرطبي (١٢/ ١٥٠)،و "أهوال القبور" لابن رجب (٢٠).
(٤) انظر:"الرُّوح" (١٠٥ - ١٠٦)،و"فتح الباري" لابن حجر (٣/ ٢٩٩)، و"شرح الصدور" للسيوطي (١٧٧)،و "الفَصل في المِلَل والنِّحَل" (٤/ ١١٨).

<<  <   >  >>