وإمّا أَن يُراد بها منعُهم حصولَ هذه الحياة للمقبور؛ ليجري عليه العذاب والنعيم، والمساءلة والخطاب =فهذا باطل؛ لأنّ النصوص قد أبانتْ أن الرُّوح تُعاد إلى الميت، فيلزم من ذلك التصديقُ بما وراء ذلك من السؤال والخطابِ، والعذاب والنعيم للمقبور.
والبراهين على حصول هذه الحياة كثيرةٌ:
منها: ما جاء في الصحيحين من حديث أنس عن أبي طلحة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرَ يوم بدرٍ بأربعةٍ وعشرين رجلًا من صناديد قُريشٍ، فقُذِفوا في طَوِيِّ من أطواءِ بدرٍ خبيثٍ مُخْبِثٍ. وكان إذا ظهر على قومٍ أقامَ بالعَرصة ثلاثَ ليالٍ، فلمّا كان يوم بدرٍ اليومُ الثالثُ أمرَ براحلتِهِ، فشُدَّ عليها رحلُها، ثم مشى وتبعه أصحابُه، وقالوا: ما نُرى ينطلِق إلاّ لبعض حاجتِه، حتّى قام على شَفَةِ الرَّكيِّ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم:(يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، أيَسُرّكم أنكم أطعتم الله ورسولَه؟ فإنّا قد وجدنا ما وعدنا ربُّنا حقًّا، فهل وجدتم ما وعد ربُّكم حقًّا؟) قال: فقال عُمَرُ: يا رسول الله، ما تُكلِّم من أجْسادٍ لا أرواح لها؟ فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسْمَعَ لما أقولُ منهم) قال قتادةُ: أحياهم الله حتى أسْمَعَهم قولَه؛ توبيخًا، وتصغيرًا، ونَقِيمَةً، وحسْرةً، وندمًا) (١) .
فقول قتادة راوي الحديث:(أحياهم الله حتى أسمعَهم قولَه ... ) فيه دليلٌ على حصول السماع لأهل القليب، وأنّ ذلك بعد عودة الرُّوح للبدن.
فإن قيل: هذه دعوى منكم يُبْطِلُها استشكالُ عُمَرَ - رضي الله عنه -، حين قال:
(١) أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب:"قتل أبي جهل" (٥/ ٧٦ - رقم [٣٩٧٦]) ومسلم مختصرا في: كتاب"الجنَّة وصفة نعيمها"باب"عرض مقعد الميت من الجنَّة أو النَّار عليه" (٤/ ٢٢٠٤ - رقم [٢٨٧٥]) .