للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يا رسول الله، ما تُكلِّمُ من أجسادٍ لا أرواح لها؟ وانصراف النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجواب عن سؤاله إلى قوله: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) = حجّة واضحة على إقراره لعُمَرَ على أن هذه الأجساد لا حياة فيها.

فيقال: إنّ جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - لعُمَرَ حين استشكل سماع أهل القليب؛ لظنّه أن تلك الأجساد لا حياة فيها = بقوله: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) يتحصّل منه أمران:

الأول: الردّ على عمر - رضي الله عنه - فيما توهّمه من عدم عودة الرُّوح لتلك الأجساد.

الثاني: بيان أنّهم أسمَعُ للخطاب من الأحياء؛ لكون تلك الحياة تختلف عن الحياة في الدنيا.

سَلَّمْنا أنّ الأمر محتملٌ، والحديث لا يدلّ دلالةً قاطعةً على المراد، وأن هذا مُؤَدَّى اجتهادٍ وفَهْمٍ فَهِمَه الرَّاوي = لكن لا يمنع أنّ اجتهادَه مؤسَّس على النصّ الذي هو قاطعٌ في دلالته على المقصود؛ وهو حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه -، قال: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنازةِ رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القَبْر ولَمَّا يُلحَد، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجلسْنا حولَه وكأنّ على رءوسنا الطيرَ، وفي يدِه عودٌ ينكت في الأرض، فرفع رأسه فقال: (استعيذوا بالله من عذاب القَبْر - مرّتين أو ثلاثًا -) ثم قال: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيضُ الوجوه ... ) الحديث. والشاهد فيه قوله بعد ذلك: (فتُعادُ روحه في جسده، فيأتيه ملَكَان، فيُجلسانه، فيقولان له: مَن ربك؟ ... ) الحديث (١)


(١) أخرجه أحمد في مسنده (١٨٠٦٣) وقال الهيثمي في"مجموع الزوائد" (٣/ ٥٠): رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وحسَّنه شيخُ الإسلام ابن تيمية في"حكم أهل القبور" (١٣) .

<<  <   >  >>