فإن قيل: كيف يكون محسوسًا، وحواسُّنا تعجزُ عن إدراكِه؟ فإن ذلك تناقضٌ؛ إذْ نتيجةُ ذلك = أن تلك الأمور محسوسة، وهي غير محسوسة!!
فالجواب: ليس ثَمَّة تناقض؛ لأن كونَها محسوسة مبنيٌّ على كونها موجودة، وكل موجود محسوس. والمراد بقولنا: أنّ كلّ موجودٍ محسوسٌ = أي: من شأنِه أن يُحَسّ، فالإمكانُ غير متعذّر، مادام هو موجودٌ؛ لا أنَّ الإحساس به يتحصّل الآن أو في كل وقت. وأمّا برهان وجود تلك الأمور التي يعجز المرء عن الإحساس بها، إدْراكُنا لآثارها، وإحساسُنا بها، والعقل يتجه إلى تطلُّب المؤثر، والمسبّب، والعلّة؛ وهذا هو مقتضى البدهيّات العقلية.
وأمّا جَهْلُه بالحقائق الشرعية؛ فإن الحقيقة الشرعية دلّت على أن الإنسان مركّب من نفسٍ وبدن، وانقسام الدُّورِ إلى ثلاثٍ: دار الدنيا، ودار البَرْزَخ، ودار القرار. ولكل واحدةٍ من هذا الدور لها أحكامها التي تختصّ بها عن غيرها.
فالله تعالى جعل أحكام الدنيا على الأبدان، والأرواحُ تبع لها؛ ولذا أناط الأحكام الشرعية على ما يظهر من اللسان والجوارح، وإنْ أضْمرت النفوسُ خلافَه.
وجعل أحكام البَرْزَخ على الأرواح، والأبدانُ تبع لها، وتجري أحكامُه على الأرواح، فتسري على الأبدان؛ نعيمًا، أو عذابًا بحسَب تعلُّقها به (١) .
وجعل أحكام دار القرار على الأرواح والأبدان معًا.
فمَنْ مَاثَل بين هذه الدُّور في الأحكام، وساوى بينها، فقدْ خالَف