للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حلول الرُّوح بالباقي من بدن الميت، ولهذا فإِنَّه من المشاهَد قطع يدي الحيوان ورجليه، وهو حيّ (١) .

وقد عقد الإمام البيهقي - رحمه الله - بابًا في كتابه «إثبات عذاب القبر» وَسَمَه بِـ "باب جواز الحياة في جزءٍ منفرد، وأن البنية ليست من شرط الحياة، كما أنها ليست من شرط الحيّ، وفي ذلك جواز تعذيب الأجزاء المتفرقة " (٢) . فالله قادرٌ على كلّ شيء {إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} يس: ٨٢

فمَنْ منع من ذلك فيتجه النظر معه إلى إقامة الدَّلائل على كمال قُدرة الرب تبارك وتعالى، فإنّ مَنْ خلق الإنسان، ونفخ فيه الرُّوح، قادرٌ على إعادة الرُّوح إلى جميع البدن، وإلى بعض أجزائه، وكلاهما في متعلق قدرة الرب سواء.

[بطلان دعوى أحالة الضرورة الحسية]

وأما البرهان على بُطلان استنادِهم إلى ما ادّعوا أنّه من الضرورة الحسية = فيُجمَل في القضايا التالية:

القضيَّة الأولى: أن إنكار المنكِر باستناده إلى هذه الدعوى = نابعٌ عن جهْله بحقيقة نفسه، وحقيقة الدَّلائل الشرعية. فأمّا جهله بحقيقة نفسه = فوجْهُه أن ما وهبه الله تعالى له من نعمة الحواس مناسبٌ لضعفه، وعجزه، فكانت حواسّه على قدْره في الخَلق، ومهما جاهد الإنسانُ للبلوغ بها إلى حدٍّ يفوق طبيعتها البشرية المتّصفة بالنقص والعجز = فَلنْ يُفْلح. لأن هذا قَسْمُه الذي اختاره الله له. وهذا القَسْم والخلقة جارية على مقتضى حكمة الله تبارك وتعالى، العالِم بوجوه المصالح، وأَفنان الخيور.

فكم من أمرٍ محسوسٍ يجري بين يدي العبد، وحواسّه تعجزُ عن دركه والإحاطة بِكُنْهِهِ.


(١) "الإيضاح" لابن الزَّاغوني (٥٦١) .
(٢) "إثبات عذاب القَبْر" (٧٠) .

<<  <   >  >>