للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتارةً تُوْزَن الأعمال، وتارةً تُوْزَن صحيفةُ الأعمال، وتارةً يُوزَن فاعلُها. والله أعلم) (١) .

وإلى مِثْل قول الحافظ ابن كثير، ذهب الإمام ابن أبي العزّ الحنفي - رحمه الله -؛ حيث قال: (فثبت وزنُ الأعمال، والعامل، وصحائف الأعمال، وثبت أنّ الميزان له كفتان. والله أعلم بما وراء ذلك من الكيفيّات) (٢)

فجميعُ أهل السنة متفقون على وقوع الوزن حقيقةً للأعمال؛ سواءً وُزِنت هي، أو الصحائف التي رُقمت فيها، أو وُزِن عاملُها، دون تأويل لها. ولكلِّ قولٍ من تلك الأقوال دليلُه الذي استمسك به من استمسك من أهل العلم؛ فتنوع الدَّلائل في حقيقة الموزون كان سببًا لاختلاف أَقاويلهم في تعيين صورة هذا الموزون

فَعُلِمَ بذلك أَن مأخذ الاختلاف من جهة النّظر في الأدلة الشَّرعيَّة، لا لاعتبارٍ آخر، وهذا خلاف مَنْ ذهب إلى أنّ الموزونَ صحائفُ الأعمالِ، أو العامل، أو قول غير ذلك = إحالة منه لنوع الوزن للأعمال نفسِها، ولم يكن وجه اختياره مبنيًا على أصل شرعي، وإنما قيام الشبهة العقلية هي التي حمَلَتْه على القول بِأحدِ تلك الأقوال. فلا شكّ في خطأ هذا السَّبيل؛ لكونه تجويزًا لصحة أن يعارض الدليل العقلي ما ثبت في الشَّرع. وسيأتي بيان أصل شُبهة المانعين لوزن الأعمال حقيقةً -إن شاء الله-.

فَيْصَلُ المسألةِ إذًا بين ما قام عليه الإجماعُ، وبين وجود ما يُشكِل من وقوع المخالفة في ماهية الموزون = أنّ القدر المشترك الذي وقع عليه الإجماع: ثبوت الميزان، وأنّ له كفتين حسيَّتين. وأما ما يوزن فيه؛


(١) "تفسير القرآن العظيم" (٣/ ١٤٠٩) .
(٢) "شرح العقيدة الطحاوية" (٢/ ٦٣٩) .

<<  <   >  >>