للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإجماعات المدّعاة، وعدم التسليم بها، متى ما لاحت الدَّلائل على عدم صحة ذلك الإجماع المزعوم = أمرٌ محمودٌ بلا مثنويّة. فإنّ المحقّقين من الأئمة - رحمهم الله - لم يكونوا يرضخون لمثل هذه الإجماعات التي يُطلِقها بعض أَهل العلم؛ بناءً على عدم العِلم بالمخالِف في خصوص مقالةٍ ما، أو طلبًا لشيوع قول المُطلِق على أقوال مخالفيه. ولذا، اشتدّ نكير الأئمة - رحمهم الله - على هؤلاء؛ حتى قال الإمام أحمد - رحمه الله -: (من ادّعى الإجماع فهو كاذبٌ، لعل النّاس قد اختلفوا) (١) .

وليس مقصودُه المنعَ من الاحتجاج بالإجماع، وإنما أراد - رحمه الله - الزجْر عن ادّعاء الإجماع في حقّ من ليس له معرفة بخلاف السَّلف، و الاحتجاج بإِجماع المتأخرين بعد الصحابة وتابعيهم. كيف وقد احتجّ - رحمه الله - بالإجماع في مواطن كثيرة!.

وهذا القدْر يُوافَقُ عليه الشيخ رشيد رضا؛ من منْعِه التساهُل في إطلاق الإجماعات غير المنضبطة. ولكن الذي لا يُوافَق عليه = منعُه من صحة إجماع السلف على ثبوت الميزان، وأنّ له كِفّتين. وكونُ الزجّاج - رحمه الله - ليس من الحفّاظ المعروفين بتقصّي الروايات وتمحيصها = لا يعني عدم قبول نقله للإجماع؛ خصوصًا وقد نقله غيرُه من أهل العلم. ثم إنّ الحُفّاظ نقلوا قول الزجّاج - رحمه الله - ولم يتعقّبوه، فدلّ ذلك على ارتضائهم لما تضمّنه هذا الإجماع. ومن هؤلاء الحفّاظ الذين لا يُشكُّ في جلالتهم، وسعة علمهم بمواقع إجماع الناس، ومواقع انفرادهم واختلافهم = الحافظ ابن حجر العسقلاني. فإنّه نقل عن الزجّاج حكايتَه للإجماع، ولم يتعقّبْهُ (٢) .

وطُرُوءُ المخالفة بعد انعقاد الإجماع أمر لا يُنكَر، وإنما الذي يُنكَر:


(١) "المُسَوَّدة " لآل بن تيمية (٣١٥) .
(٢) انظر: "فتح الباري"لابن حجر (١٣/ ٦٧١ - ط/دارالسلام) .

<<  <   >  >>