في إحدى الكفتين نورًا وفي الأخرى ظُلمةً، يتبيّن بهما حال المكلَّف، وأنه من أهل النار أو الجنّة، وإنما الذي لا نُجوِّزُه وزْنُ الأعمال؛ لأنها قد قُيِّدت، وليست بجسمٍ فيُوزَن) (١) ولم يُبِنْ القاضي عبد الجبار - وهو في غمرة استماتته في الدفاع عن قواعد المذهب - عن دليله في تعيين أن الموزون في كفتي الميزان هما النورُ والظُّلمة. ولا دليلَ عنده إلاّ تقديم قواعد وأصول مذهبه التي بُنيتْ على شفا جُرف من التناقض، والخروج عما دلَّت عليه الدلائل الشرعية.
وفاتَه أن النور والظلمة لا يخرجان عن حدّ العَرَضِ، فيحْتاج إلى تعيين آخر غير ما ذكر ليتمّ له مقصوده؛ وإلاّ وقع في التناقض.
ومتكلّمو الأشاعرة مع إثباتهم للميزان، وتشنيعهم على المعتزلة لإنكارهم وزن الأعمال = إلاّ أن كلا الفريقين يتفق في أصل الشبهة؛ وهي: استحالة وزْن الأعمال نفسها؛ لكونها عرض، والعرض لا يُوزَن، ولا يُوصف بالخفة والثّقَل. ومع اتفاقهم هذا؛ إلا أنّ لوازم أتباع المدرستين اختلفت، فالأشاعرة أخذوا يبحثون في النصوص علّهم يظفرون بما يستطيعون به التوفيقَ بين الدلائل المتكاثرة على ثبوت وزن الأعمال، وبين الأصل الذي اتفقت فيه مع المعتزلة على إثباته؛ إضافةً إلى محاولتهم الفرار من مَعرّة التثريب، والإنكار المتضافرين من أئمة السلف - رحمهم الله تعالى -.
فوجدوا في بعض الأدلّة ما يدلّ على وزن صحائف الأعمال، فعضّوا على هذا القول بالنواجذ، ووجدوا فيه خَلاصًا من مأزق الوقوع في التناقض.
يقول الآمدي - رادًّا على المعتزلة في منعهم وزْنَ الأعمال لكونها
(١) "المختصر في أصول الدين" (٢٤٩ - ضمن رسائل العدل والتوحيد) .