للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشرعي؟ قد كنت أُنكر هذا أشَدَّ الإنكار، وأقول: إن الظّاهر حجةٌ قطعية، وإنه إذا كان الواقع خلاف ظاهر الخبر = كان الخبر كذبًا، وإن لم يكن المقصود من الخبر بيان ذلك الأمر = ثُمَّ رأيتُ في أصول الفقه مسألةً تعضد ما قاله ذلك العالم، وهو قول بعضهم: إنَّ النص إذا سيق لمعنى غير بيان الحكم وكان عامًّا؛ لا يُحتَجُّ بعمومه في الحكم، ويمكن أن يَطَّرد ذلك في سائر الدلالات الظاهرة. ووجه ذلك: أنَّ المُتكلِّم إنما يعتني بالمعنى المقصود بالذات، وأما ما ذكر عَرَضًا فإنَّه لا يعتني به؛ كأنه يَكِلُ تحقيقَ حكمه إلى مَوضْعه ...

فإن قلتَ: فهل يجوزُ أن يُخبر عن شيء من الطبيعيات بكلام ظاهره مخالف للحقيقة؟ هذا هو موضوع السؤال.

قلت: أمّا إذا ثبت أَنَّ الظاهر في مثل ذلك لا يُعتدُّ به، بل يحتمل أنَّه مراد، ويحتمل أنه ليس بمراد، فلا مانع من ذلك؛ إذا لم يبق ذلك الظاهر ظاهرًا. ... فتدبّر! ...

فإذا أطلق الشارع نصًا في حكم لم يحضر وقته، وللنَّصِّ ظاهر لفظي، ثم بيَّن عند الحاجة ما يرفع ذلك الظاهر = لم يلزم من إطلاق النص كَذِبٌ، ولا شبه كَذِبٍ. فتدبّر، وأمعن النظر! ثم نقول: معرفة صفات الأمور الطبيعية ليس لها حاجة في الشَّريعة أصلًا، فلا مانع مِن ترْك بيان ما يتعلق بها أصلًا، وإنّما يظهر البيان عندما يطّلع الإنسان على صفة فعل الشيء، فيتبين له حينئذٍ المعنى المراد من النص. ولا يلزم كذب ولا شبه كذب؛ إذا تبين أن الواقع خلاف الظاهر اللفظي من النص ... (١)

ثم إنه - رحمه الله - استدلَّ على جواز تأخُّرِ القرينة التي تدل على خلاف


(١) "رسالة في حقيقة التأويل" (١٠٩ - ١٢٢)

<<  <   >  >>