فإن قيل: هل يَصحُّ أن تقع القرينة الحسيّة متأخرةً عن الخطاب غير محتفّةٍ به، بحيث يفوت الظاهر الحق من الخير الشرعي على جميع السَّلف، ولا تَنْتَصِبُ هذه القرينة الكاشفة عن الظاهر الحقيقي = إلا للخلف؟
فيقال: أَمّا فيما يتعلّق به تكليف فبالاتفاق يمتنع أن يفوت إحراز الظاهر على المخاطَبين في زمن التشريع، ومَنْ بَعْدَهم = لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة (١) أما فوات الظاهر فيما لا تكليف فيه؛ كأنْ يُخبِر النَّصُّ الشرعيُّ بشيءٍ من الأمور الكونية الطبيعيَّة، فيكون ما كان ظاهرًا للسَّلف مناقضًا للحقيقة الموضوعيَّة التي لا تتحرر إلَاّ للخالفين ممن جاء بعدهم = ذهب إلى ذلك العَلاّمة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي - رحمه الله -. وفي تقرير ذلك يقول: (سمعت بَعْضَ العلماء يقول: إن القرآن لم يُنَزَّلْ لتعلّم الطبيعة، والفلك، والتاريخ، والتشريح، والطب، ونحو ذلك من العلوم الكونية. وإنما نُزِّل لبيان الدِّين عقائدَ وأحكامًا، وإنما يذكر بعض ما يتعلق بالطبيعة والفلك ... ونحوها لمغزىً ديني ... وهكذا السُّنَة ... ومقصودُ هذا العالِم - على ما فهمته -: أنّه لا يَصحُّ الاستناد إلى ظاهر آية من القرآن أو حديث من السنة في تقرير أمر من تلك العلوم الكونية؛ كما هو بالنسبة إلى غالب الناس غيبٌ ...
والمقصود: أن قول ذلك العالم: إِنَّ الشريعة إنما جاء لتعليم الدين عقائد وأحكامًا، وأما ما جاء فيها مما يتعلق من العلوم الطبيعية والتاريخ فليس المقصود من ذكره التعريف بكنهه وحقيقته وكيفيته مفصلًا، وإنما يُذْكَرُ تَنبيهًا على الآيات والمَثُلات = كلّ هذا صحيح، ولكن: هل يقتضي هذا جوازَ أن يكون الواقع في تلك الأمور خلافَ ظاهر الخبر