للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول الإمام الشَّاطبي - رحمه الله -: (مآخذ الأدلَّة عند الأئمَّة الرَّاسِخين إنّما هي أنْ تؤخذ الشَّريعةُ كالصورة الواحدة؛ بحَسَبِ ما ثبت من كُليّاتِها، وجزئياتها المرتبة عليها , وعامِّها المُرتب على خاصها , ومُطْلَقِها المحمول على مُقيِّدها , ومُجْمَلها المفسَّر بمبينها. إلى ما سوى ذلك من مَنَاحيها. فإذا حَصَل للنَّاظر مِن جُمْلتها حُكْمٌ من الأحكام = فذلك هو الذي نطقت به حين اسْتُنْطِقَت) (١) .

الضَّابِط الرابع: أنَّ الدلالة العقليَّة الفطرية والحسيَّة قرينةٌ متصلَةٌ بالخطاب، مبيّنةٌ له، دالّةٌ على الظاهر الحقيقي المراد للمخاطب بخطابه، كدلالة القرائن اللفظية المتصلة - كالشرط، والاستثناء، والصفة - التي لا يُفهم ظاهر الخطاب دونها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (القرينة المتصلة بالَّلفظ إذا كانت لَفْظيَّةً بيّنت معناه، وكان ظاهره ما دَلَّت عليه. فكذلك القرينة المتصلة -وإن لم ... تَكن لفظيَّةً- فالحِسُّ، والظاهرُ، والعقل الذي يُعلم به أَنَّ المخاطبُ لم يُرِدْ ... بكلامِهِ ما يخالفه عندهم = قرينة متّصلة؛ إذ لا يظُنُّ المستمعُ بالمُخَاطب أنَّه ... أراد ذلك. ومن المعلوم أن فهم الخطاب لا بُدَّ فيه من عِلم المُخَاطَبِ ... والمُخاطِبِ جميعًا، فكما أَنَّ عِلْمَ المُخَاطَبِ المُستمع أَنَّ المخاطِب المتكلّم ... لا يُريد بلفظه إلا مفهومه ومعناه = يُوجبُ أنْ لا يحمله على غيره = فكذلك ... عِلْمُ المُخاطِب المُتكلِّم أنّ المخاطَب المستمع لا يفهم أنه أراد ما يخالف ... حِسَّه وعَقْلَه قرينةٌ وضميمة يَضُمُّها إلى كلامه) (٢) .


(١) "الاعتصام"للشَّاطبي (٢/ ٥٠) .
(٢) "جواب الاعتراضات المصرية" (١٠٠)، وانظر: "درء تعارض العقل والنقل" (٥/ ٢٣٦)، و "بيان تلبيس الجهمية" (٦/ ٢٥١ - ٢٥٣) .

<<  <   >  >>