للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الظاهر الذي تفيده جملة (في الدَّار) ليس هو ذات المعنى الظاهر الذي تفيده جملة (في المنام) وليس هو المعنى الظَّاهر الذي تفيده جملة (في المرآة) مع كون كلِّ جملة حقيقةً في معناها الذي دلَّت عليه. ومع ذا؛ فالمعنى المُحرز من قولك: (فلان في الدار) أي: ذاته كانت في الدار. وهذا ما لا يُحصّل من قولك: (رأيتُ فلانًا في المنام) ولا محصّلًا كذلك من ... قولك: (رأيت فلانًا في المرآة) وكذلك؛ فإن وجود المرئيَّ في المنام ليس مطابقًا لوجوده في المرآة (١) .

وزُبْدةُ القَوْلِ أنَّ ما اعترض به ابن جماعة - رحمه الله - على أهل السُّنَّة والجماعة ليس مُخلَّصًا من كدر الوهم والغَلط، وجميع الأوجه التي ساقها يعلم بطلانها ببطلان أَصلها المذكور آنفًا. وينتظم من ذلك: أن الآية على ظاهرها في إِثبات عُلوِّ الله تعالى على خَلْقِه، وهي حقيقة في معناها التي دلت عليه، وأنَّ مدلولها لم يَنْفِهِ البرهان العقلي. والذي نفاه ليس مدلولها، وإنما هو الظاهر "المتوهَّم".

الضَّابِط الثَّالث: أنَّ الظَّاهرَ الحقيقيَّ لا يُقتصرُ في تحصيلِهِ على نصٍ واحد، بل النَّظرُ يتجه إلى جُملة الدَّلائل الشَّرعية؛ لأنَّ الوحي كالكلمة الواحدة يصدِّقُ بعضُه بَعْضًا.

يقول الإمام الخطَّابي - رحمه الله -: (القُرآنُ كلُّه بمنزلةِ الكلمة الواحدة (٢)، وما تقدَّر نُزُوله وما تأخَّرَ في وجوب العمل سواء، ما لم يقع بين الأوَّل والآخر مُنافاة) (٣) (٤) .


(١) انظر: "بيان تلبيس الجهميّة" (٦/ ٢٥٣ - ٢٥٦)، وانظر: "التدمرية" (٨٥ - ٨٦) .
(٢) ليس هذا قيدًا، بل الوحي كلُّه قرآنًا وسُنّةً بمنزلة الكلمةِ الواحدة.
(٣) المُنافاة قد تقع في الأحكام من جِهةِ ورود الحكم الآخر ناسخًا للحُكْمِ المُتقدّم، وأمَّا العقائد فلا تقع المُنافاة بينها؛ لكونها أَخبارًا، والأخبار المحضة مُحكمة لا يتطرَّق إليها نَسْخٌ ولا تبديل.
(٤) نقلاً عن "الجامع لِشُعَبِ الإيمان"للبيهقي (١/ ٤٧٠) والخطَّابي (٣١٩ - ٣٨٨ هـ):هو حَمْد بن محمد بن إبراهيم بن الخطَّاب القُرشي العدوي البُستي، كان فقيهًا أديبًا، من تصانيفه: "غريب الحديث"،و"معالم السُّنن"=انظر: "مسالك الأبصار" (٥/ ٤٥٣) .

<<  <   >  >>