للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(من على) السماء أَفخم وأعظم من قوله: {مَنْ فِي السَّمَاءِ} ... ) (١)

والخطأ الذي وقع فيه ابن جماعة، أَنَّه حَمَلَ اصطلاح النحاة وعُرْفهم المختص في تسمية هذه الألفاظ كـ (في) و (عند) وغيرهما؛ ظروفًا؛ لنوع من المشابهة لَحَظها النحاة بينها وبين ما تواضع عليه أهل اللُّغة من تسميةِ بعض الأشياء ظروفًا وأوعيةً؛ من شأنها الإحاطة بالمظروف، واحتواؤه، كما يحيط الإناء بالمائعات، والمسكن بالساكن = حَمَلها على مواضعة اللغويين حَمْلًا مطلقًا؛ بحيثُ يُحْرزُ اصطلاحُهم هذا المعنى المعروف عند اللغويين بتمامه.

وموطن الغلط: أن النحويين لم يقصدوا ذلك باصطلاحهم؛ بدليل تقسيمهم للظرفية إلى ظرفيةٍ حقيقة، وأخرى مجازية (٢) والتحقيق: أن هذه الألفاظ المصطلح عليها بالظروف يتنوّع تعلُّقها بمعاني الأَسماء والأفعال؛ بحسب حقائق تلك الأسماء والأفعال، المتواضع عليه في اصطلاح النحويين بـ"المظروفات"، لا أنّ ما أفاده اللفظ في مَوْضعٍ يفيد نَفْسَ المعنى في جميع الموارد؛ فإِنّ طرْد ذلك غَلَطٌ على لسان العرب؛ لأن الأصل عدم الاشتراك.

ومما يوطِّد هذا المعنى: أَنَّ النحاةَ يقولون: رأيتُ فلانًا في الدار. ويقولون: رأيتُ فلانًا في المنام. ويقولون: رأيتُ فلانًا في المرآة = فأنت ترى أَنَّ هذا الحرفَ - أعني (في) - المفيد لمعنى الظرفيَّة المكانيَّة عند النحاةِ؛ قد وَرَدَ في هذه المواطن جميعها. ومن المعلوم أن المعنى


(١) "إيضاح الدليل"لابن جماعة (١١٣ - ١١٦) وبدر الدين بن جماعة (٦٣٩ - ٧٣٣ هـ) هو: محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الشَّافعي، بدر الدين أبو عبدالله قاضٍ، له مُشاركة في العلوم، من تصانيفه: "المنهل الرَّوي في الحديث النبوي"،و"تذكرة السَّامع والمُتكلِّم"=انظر: "الأعلام" (٥/ ٢٩٧)
(٢) انظر: "المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية" للشاطبي (٣/ ٦٢٤) .

<<  <   >  >>