للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن تركيبه. فهذا -بلا ريب- قصور في تحصيل الظاهر. ثم تجد المخالف يبني على قصور نظرهِ معاندة العقل للظاهر الشرعي.

والحقيقة: أن المُناقضة واقعة بين العقل وظاهره "المتوهم"، لا ظاهر الدليل في نَفْسِ الأَمر. ولهذا المقام أَمثلة عديدة، اجتزئ منها بمثالٍ دالٍّ على المقصود. ومن ذلك: ما جاء في قول الله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦)} الملك. فهذه الآية يدل ظاهرها على إثبات علو الله تعالى على مخلوقاته، وهذا الظاهر مُحصَّل بدلالة السياق، وبإدراك العقل المسدَّد. وأما من نَظَر إلى الحرف "في" نظرًا مُجرَّدًا عن سياقه ومتعلقاته؛ فإنه سيتوهم أَن ظاهر الآية أن الله - تعالى - مظروفٌ للسماء، وأنها محيطة به -تعالى الله عن ذلك -؛ ومن ثَمّ يلزم من هذا الفهم المغلوط القطعُ بأَنَّ الآية ليست على ظاهرها، لمخالفتها الدلائل العقلية. لذا ترى ابن جماعة يقرّرُ ذلك بقوله: (اعلم أَن الدَّليل العقلي القاطع، والنقلي الشَّائع على أن الآيات المذكورة (١) ليست على ظاهرها؛ لوجوه:

الأول: أنَّ لفظة (في) للظرفية، وتعالى الله أَن يكون مظروفًا لخلق من خلقه. فإن قيل: (في) ها هنا بمعنى (على) كقوله تعالى: {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} طه: ٧١

قلنا: هذا مردود لوجهين:

أحدهما: أن ذلك خلاف الأصل، وموضوع الُّلغةِ التي نزل بها القرآن، وممنوع عند المحققين من نحاة البصرة.

الثاني: لو أريد معنى (على) كان لفظه أَفخمَ وأَعظمَ، فإن قوله:


(١) يعني بالآيات هنا: قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} الملك: ١٦ وقوله: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} النمل: ٦٥

<<  <   >  >>