للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

-[وقد نُسب إلى جماعة؛ كالإمام ((البيهقي))، و ((العزّ بن عبد السلام)) وتلميذه ((القرافي)) -رحمهم الله - (١) =إنكارهم أن يكون الصراط أَدقَّ من الشَّعَر , وأَحدَّ من السيف , فتأوَّل بعضهم ذلك بأنه عبارة عن مَثَلٍ ضُرب لِعُسْرِ ويُسْرِ الجواز على الصراط بقدر ما أصابه العبد من المعاصي والطاعات , وأن وَصْفه بأنه (أحدّ من السيف) مَثَلٌ للإبانة عن إسراع الملائكة في المضي لامتثال أَمر الله، وإِجازة الناس عليه.

وقد نقل السفَّاريني - رحمه الله - عن ((القرافي)) أنه قال تبعًا ((للبيهقي)): (كون الصراط أَدقّ من الشّعَر وأحدّ من السيف: لم أَجده في الرِّوايات الصحيحة , وإنما يروى عن بعض الصحابة، فيُؤوّل بأن أمره أدقّ من الشَّعَر؛ فإن يُسر الجواز عليه وعسرَهُ على قدر الطاعات والمعاصي , ولا يعلم حدود ذلك إلا الله. وقد جرت العادة بضرب دِقة الشعر مثلًا للغامض الخفيّ، وضَرب حد السيف؛ لإسراع الملائكة في المضي لامتثال أمر الله، وإجازة الناس عليه) (٢).

والبيهقي نَقل عن الحُليمي تأويله ما جاء من أنَّ الصراط أدقُ من الشَّعَرِ، ثم أعقب نقله بنفي وجدانه هذا الوصف في الروايات الصحيحة، حيث قال: (قال الحليمي - رحمه الله - قوله: في الصراط إنه أدقُّ من الشَّعَرَةِ معناه= أنَّ أَمْرَ الصِّراط والجواز عليه أَدقُّ من الشَّعَرِ أي: يكون عُسْرَه ويُسْرَهُ على قدر الطاعات والمعاصي، ولا يعلم حدودَ ذلك إلا الله - عز وجل - لخفائها وغموضها، وقد جرت العادة بتسمية الغامض الخفي دقيقًا وضَرَب المثل له بِدقَّة الشَّعَرَةِ، وقوله: إنَّه أحدُّ مِن السَّيفِ فقد يكون معناه- والله أعلم- أن الأمر الدقيق الذي يصدر من عند الله إلى الملائكة في إجازة الناس على الصراط يكون في نَفَاذِ حَدِّ السَّيفِ ومُضيِّه منهم إلى طاعته وامتثاله، ولا يكون له مرد، كما أنَّ السيفَ إذا نَفَذَ بِحَدِّهِ وقوةِ ضَارِبِهِ في شيءٍ لم يكن له بعد ذلك مرد (٣). قال البيهقي - رحمه الله -: وهذا اللَّفْظُ من الحديث لم أَجِدْهُ في الرِّوايَاتِ الصَّحيحةِ) (٤)] [*].

- وتأوَّل القاضي أَبو بكر بن العربي (الكلاليب) الواردة في الحديث بأنَّها الشهوات الواردة في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (حفت النَّار بالشهوات) (٥)، فقال: (فالشهوات موضوعة على جوانبها، فمن اقتحم شهوةً سقط في النّار؛ لأنَّها خَطَاطِيفُها) (٦).

وكلُّ ما تم سَوْقُه من هذه التأويلات، لا تجد لها في الثبوت قَدَمًا , فليس لها أصل تَنْزِعُ إليه ولا مَأخذٌ من نُورِ الحق تأوي إليه؛ وإنّما مَردّ ذلك= الشَّغفُ بتأويل ما عَجَزَت عقولهم عن إدراكه.


(١) انظر: "شرح لوامع الأنوار" (٢/ ١٩٣).
(٢) "لوامع الأنوار" (٢/ ١٩٣) , وانظر: "شرح إِضاءة الدُّجنّة "لمحمد بن أحمد الشنقيطي (٧٥ - ٧٦)
(٣) انظر:"المنهاج" (١/ ٤٦٣) والحلِيمي (٣٣٨ - ٤٠٣ هـ):هو الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم، أبوعبدالله البخاري الحليمي الشافعي، من أذكياء زمانه ومن فُرْسان النَّظر =انظر: "تذكرة الحفاظ" (٣/ ١٠٣٠).
(٤) "شُعب الإيمان" (١/ ٥٦٥).
(٥) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب"الجنَّة وصفة نعيمها" (٤/ ٢١٧٤ - رقم [٢٨٢٢]).
(٦) نقلًا عن "فتح الباري" لابن حجر (١١/ ٥٥٣).

[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين ليس في المطبوع، وأضفناه من أصل الرسالة الجامعية

<<  <   >  >>