للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا تأويل الصراط، فقد جنح إليه:

- بعض الإباضية، وذلك بتفسيرهم الصراط بأنَّه " الحقّ ". وفي ذلك يقول عبد الله بن حميد السالمي: (قوله تعالى {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢)} الملك: ٢٢ هو عبارة عن الحق ... وعلى هذا يحمل ما ورد من الأحاديث في بيان الصراط؛ لأنه إنما هو تمثيل لحالة الحق , وبيان ما فيها من الحق العظيم , وتمثيل لأحوال سالكيه ما بين موبق ومخذول) (١)،وقد ذهب السَّالمي في موطن آخر إلى تفويض ما دلت تلك الأحاديث من إثبات الجسرية وغير ذلك=إلى الله، فتراه يقول: ( ... والّذي يظهر لي ابقاء الأحاديثِ على أَصلها [يعني أحاديث الصِّراط] من غير تعرُّضٍ لردِّها على راويها، وتفويض أَمره إلى الله، فمن صَدَّقها من غير قطع بفكر من خالفه فيها =فقد أَحسن ظنّه بالرَّاوي، و لا بأس عليه إِن شاء الله) (٢).

أما من أنكر ما اتصف به الصراط:

- فكإنكار القاضي عبد الجبار , حيث أنكر كون الصراط أَدقّ من الشعرة , وأحدّ من السيف , مع وصَفْه من عندياته بصفةٍ لم تنعته به الأدلة الصحيحة الواردة في هذا الباب.

قال القاضي: (ومن جملة ما يجبُ الإقرار به واعتقاده: الصراط. وهو: طرق بين الجنة والنار، يتّسع على أهل الجنة، ويضيق على أهل النار إذا راموا المرور عليه , وقد دَلَّ القرآن عليه , قال الله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} الفاتحة: ٦ - ٧ فلسنا نقول في الصراط ما يقوله الحشوية , من أنَّ ذلك أدقّ من الشعر وأَحدّ من السيف، وأن المكلفين يُكلَّفون اجتيازه، والمرور به؛ فمن اجتازه فهو من أهل الجنة , ومن لم يمكنه ذلك فهو من أهل النار ... ) (٣).


(١) "بهجة الأنوار"للسَّالمي (١٠٦).
(٢) "مشارق أَنوار العقول"للسَّالمي (٣٧٢).
(٣) "شرح الأصول الخمسة" (٧٣٧).

<<  <   >  >>