للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا جميع ما يستحسنه العقل أو يستقبحه. وبالجملة؛ فإن جميع قضايا العقل هي أبديّةٌ واجبةٌ على حال واحدةٍ أزليّة، لا يجوز أن يتغير عن حاله , وهذا أمرٌ مُسَلّمٌ غير مدفوع , ولا مشكوك فيه.

فأمَّا أَمْرُ الطبع والعادة؛ فقد يتغيّر بتغيّر الأحوال، والأسباب، والزمان، والعادات ... ) (١) .

فتقرر من ذلك كُلِّه: أنّ خروج أخبار الصراط عن المعهود في نظر المنكر لا يوجب خروجها عن شرائط العقل , والأدلة الشرعية قد دلت على ذلك، فيجب التسليم بما دلت عليه؛ وذلك مقتض العَقْل المَهْدى.

الأمر الثالث: أن محصل الأدلة الشرعية المتعلقة باليوم الآخر: أن الأحوال والعادات يوم القيامة لا تبقى على اطِّرادها في الدُّنيا؛ ولذا قرّر غير واحدٍ من أئمة الإسلام أن اليوم الآخر تخرق به العادات (٢) . وعليه؛ فإنّ قياس أحوال الدُّنيا بأحوال الآخرة من الخروج عن مَنْهج الحق والصواب؛ لِلْبَوْن بينهما.

وأمَّا حَمْل تلك الأحاديث على أنَّها صادرة من المعصوم - صلى الله عليه وسلم - على جهة التمثيل والتشبيه , وقلب الحقائق إلى معانٍ؛ كل ذلك متى ما لاحَ لهم أدنى شُبهةٍ عقلية =فهو مَسْلكٌ باطل، ويستلزم لوازم شنيعة للغاية.

وقعّد لذلك القاضي ابن العربي حيث يُؤثِّلُ قانونًا بدعيًّا للأحاديث التي


(١) "الهوامل والشوامل "لأبي حيان ومسكويه (٣١٥ - ٣١٦) . ومسكويه (؟ -٤٢١ هـ):أحمد بن محمد بن يعقوب، أبو علي، المُلقَّب بـ="مسكويه"،كان مجوسيًّا فأسلم، له بصر بعلوم الأوائل مع معرفة بالأدب والبلاغة، والشعر، من مصنَّفَاته:"تجارب الأمم"،و"ترتيب العادات" انظر"معجم الأدباء" (٢/ ٤٩٣) .
(٢) انظر:"المفهم"للقرطبي (٧/ ٢٨١)،و"العواصم من القواصم" (٢٣٧) لابن العربي، و"ترجيح أَساليب القرآن على أَساليب اليونان" (٣٤٣) لابن الوزير، و" فتح الباري"لابن حجر (١٣/ ٦٥٨) .

<<  <   >  >>