للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنه على كل شيء قدير. وقد عاب الله على الكافرين شكّهم في ذلك، فقال تبارك وتعالى

{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧)} [الزمر]: وإِلَاّ فمن استقر في قلبه ذلك، وعَلِم تمام العلم مَن رَبّه , فإنّه من المحال أن يقع لديه تشكيك لما دلّت عليه تلك الأخبار الصحيحة. فإن (القادر على إمساك الطير في الهواء، قادر على أن يُمْسِك عليه المؤمن، فيُجْرِيه , أو يُمْشِيه) (١).

الثاني: أنَّ مما أوقع هؤلاء في الغلط: أَنهم جعلوا كل ما يَعزُب عن الحس يلزم منه استحالة ذلك عقلًا؛ فالقاعدة عند هؤلاء: أنّ كلّ ما لا يدرك بالحسّ؛ فليس بمعقول , وكلّ ما خرج عن المَعْهودِ المُشاهَد عند المُنْكِر؛ فلا بُدَّ أن يكون مستحيلًا .. ولا شك أن هذه القاعدة هي أصلُ ضلالِ مَن ضَلّ وأنكر هذه الأحاديث. وهذا الخَلْط من أعظم الدلائل على بُعد المنكِرين عن حياض العِلْم والعقل , وهو مَيْسمٌ بيِّن على انحسار أفهام هؤلاء عن دَرْك ما اشتملت عليه الأدلة الشرعية. وقد اعترف بهذا الخطأ أحد المنتسبين للفلسفة وهو "مسكويه" فقال مُبيِّنًا الفرق بين ما يأباه العقل وبين ما يأباه الحسّ والعادة: (ليس يجوز أن تَرِدَ الشريعة من قِبَل الله تعالى بما يَأباه العقل , لكنّ الشاكّ في هذه المواضع لا يعرف شرائط العقل وما يأباه؛ فهو - أبدًا - يخْلِطه بالعادات , ويَظنُّ أن تأبِّي الطباع من شيءٍ؛ هو مخالفةُ العقل. وقد سمعتُ كثيرًا من الناس يتشكّكون بهذه الشكوك , وحضرتُ خصوماتهم وجدالهم، فلم يتعدّوا ما ذكرته ... إنَّ العقل إذا أبى شيئًا فهو أبديُّ الإباء له , لا يجوز أن يتغيّر في وقت , ولا يصير بغير تلك الحال ,


(١)

<<  <   >  >>