للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن سُلِّم بحصول الألم للمؤمنين في هذا الاجتياز؛ فإن الألم يكفر الله به من خطاياهم ,كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما يصيب المؤمن من وَصَبٍ ولا نَصَبٍ , ولا هَمٍّ ولا حَزَن , ولا أذىً؛ حتى الشوكة يُشاكها , إلا كفر الله بها من خطاياه) (١).

يقول القاضي عبد الوهاب المالكي - رحمه الله - ردًّا على من منع المرور على الصِّراط استنادًا منه على هذه الشّبهة: (واعتلَّ مُحيل ذلك، بأن قال: إنّه قد ثَبَتَ أَنَّ المؤمنين من أَهل الثَّواب لا يجوز أَن يلحقهم غمٌّ، ولا كرب، ولا أَلَمٌ ...

والجواب: أَنَّ هذا ردٌّ للأَخبار، ومُعاندةٌ للآثار، فيجبُ سُقوطه، وهو على أَنّ كونهم مِن أَهل الثَّواب، لا يمتنعُ لحوق بهم (٢)، كما لَحِقَهم .. في الحَشْر والنَّفخ في الصُّور =ويكون ذلك امتحانًا لا عقوبة) (٣).

وأما دعوى استحالة الجمع بين كون الصراط أدقّ من الشعر , وأحدّ من السيف، وبين ما وَرَدَ من وقوف الملائكة على جنبي الصراط , وكون العباد يمرون على هذا الصراط مع صفته المذكورة.

فالجواب: ليس فيما وردت به الدلائل من خَبر الصراط ما يحيله العقل , وأما كون الحسّ والعادة يقضيان بامتناع ذلك , فهذا قد يُسلّم؛ لكن المُنبغي لَحْظُه هنا - وقد تقدم مرارًا - أن مُوجبَ خطأ المنكرين لهذه الدلائل أَمران: الأول: عدم تحقيقهم الإيمان بكمال قدرة الربِّ تبارك وتعالى ,


(١) أخرجه البخاري كتاب"المرضى"، باب"ما جاء في كفَّارة المرض" (٧/ ١١٤ - رقم [٥٦٤٢])، ومسلم كتاب"البر والصِّلة"،باب"ثواب المؤمن فيما يُصيب من مرض، أو حزن، أو نحو ذلك .. " (٤/ ١٩٩٢ - رقم [٢٥٧٣]). و انظر: مجموع الفتاوى (٢٤/ ٣٧٥).
(٢) العبارة قَلِقة، ومراده ظاهر، فإنّه يعني عدم امتناع لحوق الألم بمن يمر على الصِّراط.
(٣) "شرح عقيدة الإمام مالك الصغير" (١٠٠ - ١٠١).
() "التذكرة"للقرطبي (٢/ ٧٥٨).

<<  <   >  >>