للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجبّار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة , فيقول: أنا ربكم , فيقولون: أنت ربنا. فلا يكلّمه إلا الأنبياء , فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: السَّاق. فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن , ويبقى من كان يسجد لله رياءً وسمعةً , فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طَبَقًا واحدًا .. ) (١).

فهذه الأحاديث تدل دلالة واضحة على وقوع التكليف في غير دار القرار؛ إِمَّا إظهارًا للحال، كامتحان المقبورين , والأمر بالسجود حين يكشف الله ساقه جل وعلا. وإمَّا عقوبةً، كما يحصل لبعض العصاة على الصراط من تناول الكلاليب لهم, ووقوعهم في النار , وإمَّا لغير ذلك. يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -:

(فإن قيل: فالآخرة دار جزاءٍ , وليست دار تكليفٍ؛ فكيف يمتحنون في غير دار التكليف؟

فالجواب: أن التكليف إنما ينقطع بعد دخول دار القرار , وأمَّا في البرزخ وعرصة القيامة فلا ينقطع , وهذا معلوم بالضرورة من الدِّين) (٢).

وأما من نقل الإجماع على خلاف ذلك؛ كالآمدي (٣) وغيره، بأن الآخرة ليست دار تكليف.

فهذا الإجماع يمكن أن ينزّل في موطن واحد؛ وهو دار القرار. وأما فيما دون ذلك، ففي صحة شمول هذا الإجماع لتلك المواطن نظر , والأدلة المتقدمة ترده؛ ولذلك قال الإمام الزركشي - رحمه الله -: (وقول الرَّازي بعدم التكليف في الآخرة ليس على إطلاقه؛ فإن التكليف بالمَعْرِفَةِ باقٍ فيها , وقد جاء أَنَّه تُؤجَّج نار، ويؤمرون بالدخول فيها , فمن أقبل على ذلك صُرِف عنها. وهذا تكليف) (٤).


(١) تقدم تخريجه.
(٢) "طريق الهجرتين" (٧٠٨).
(٣) انظر:"الإحكام في أصول الأحكام"للآمدي (١/ ١٨٥).
(٤) "البحر المحيط"للزَّركشي (١/ ٣٤٥).

<<  <   >  >>