للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - وقد يراد بالتكليف العقوبة: كما يحصل لبعض العصاة على الصراط؛ مِن تخطُّف الكلاليب لهم , وتعثُّر بعضهم عليه , كما في الأحاديث التي سيقت في أوائل هذا المبحث.

وبذا يتبيَّن غَلطُ القاضي عبد الجبار في مَنْعِهِ من وقوع التكليف باجتياز الصراط؛ ظنًّا منه أن في الأمر باجتيازه عقوبةً لمن كان متحققًا بكمال الإيمان. وهذا غَلطٌ بيِّن؛ لأنَّ الأمر باجتياز الصراط هنا مع وجود المشقة فيه , ليس المراد به إنزال العقوبة؛ فإن الله تبارك وتعالى اقتضت حكمته ورحمته أَلا يُعذّب من لا ذنب له , بل يتعالى جل جلاله عن ذلك؛ فإن ذلك نقيض عدله وحكمته = وإنما الأمر بهذا الاجتياز - مع مشقته - لكونه موصلًا إلى دار النجاة والخلاص , وهذا عين الحكمة والرحمة.

وليس مع المنكرين له أصل يرتكزون عليه من نقل أو عقل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (وقد زعم بعضهم أن هذا (١) يخالف دين المسلمين؛ فإن الآخرة لا تكليف فيها. وليس كما قال , وإنما ينقطع التكليف إذا دخلوا دار الجزاء: الجنة، أو النار , وإلَاّ فهم في قبورهم مُمْتَحَنون ومَفتونون؛ يقال لأَحدهم: من ربّك؟ وما دينك؟ وكذلك في عرصات القيامة ... فدل ذلك على أن المحنة إنما تنقطع إذا دخلوا دار الجزاء , وأما قبل دار الجزاء امتحان وبلاء) (٢).

وممَّا يدلُّ كذلك على عدم انقطاع التكليف قبل دخول دار الجزاء:

- ما وَرَدَ في حديث أبي سعيد الخُدْري المتقدم ذكره من دعوة الله تعالى في عرصات القيامة للمؤمنين والمنافقين للسجود وفيه (فيأتيهم


(١) يريد: اختبار من لم تبلغه الرسالة في الدُّنيا في العرصات.
(٢) "مجموع الفتاوى" (١٧/ ٣٠٩ - ٣١٠) , وانظر له"قاعدة في شمول آي الكتاب والسنة" (٢٣٨).

<<  <   >  >>