للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن يشغل الناس بما لم يُبعث لأجله؛ بل كثيرًا ما يُقرُّهم على ما يعلم أنّه خطأٌ وغَلَطٌ؛ لأن ذلك لا يضرُّهم في دينهم. فإذا دعت المصلحة إلى ذكر ما يتعلّق بشيءٍ من الأمور الطبيعية ذَكره على وجه لا يجرُّ إلى إيقاع السامعين في الخوض في أحوالها الطبيعية، فيشتغلوا بذلك عن المقصود. ومن ضرورة هذا المعنى: أَن لا يذكر لهم في الأمور الطبيعية خلاف ما يعرفون، أو يذكر لهم مما لا يعرفون شيئًا فيه دِقّةٌ وغرابة؛ فلا يذكر لهم مثلًا: الأرض كُروَّيةٌ، أَو أَنَّها تدور) (١)

ففي مطاوي كلامه - رحمه الله - من مُسْتكره اللوازم التي يُعلم عدم قصده لها =ما يُشرِف بك على فساد ملزومها. فإِن في تجويز كَثْرة إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه على الخطأ؛ ولو في أمرٍ لا يضر بدينهم =سَلْبٌ لصفةِ النّصح عنه - صلى الله عليه وسلم - - من حيث لا يشعر -، وإن كان قصْدُه - رحمه الله - نقيضَ هذا المعنى. فهذه مغلطةٌ.

والمغلطة الأخرى: أَنَّ لازم قوله تجهيل الصَّحابة، واتصافهم بالسذاجة وضحالة الفهم؛ بحيث يمكن أنْ يغمُض عليهم جميعًا معاني الظواهر المتعلقة بالكون. ومما يقطع بفساد ما ذكره - رحمه الله - من جواز أن يخفى الظاهر الحقيقي عن السَّلف = أنه لم يجد دليلًا لتصحيح ما قَعّد لَهُ = إلا حديث عائشة - رضي الله عنها -؛ مما يدّلُ على وَهْن الأَصل وتَرَهُّلِهِ.

وما استدل به لا يصلح للاستدلال في هذا المقام لعلتين:

الأُولى: أن دليله ليس متعلقًا بالأمور الطبعية والكونية أَو الطبية، أَو التَّاريخيَّة؛ فهو استدلالٌ بما هو خارجٌ عن مَحل النِّزاع.

العلة الأخرى: أَنَّ سؤال أَزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أَيتهن أَسرع لحوقًا به =هو سؤالٌ عن فضيلةٍ. ومَيْسمُ ذلك: حرصهن -رضي الله عنهن- على معرفة ذلك؛ إذ من المعلوم من حالتهن وحال الصحابة عمومًا ترْكُ الأسئلة التي لا يندرج تحتها فائدة شرعية؛ فيبعد -على ذلك- أن يطرقن هذا السؤال مجرّدًا عن


(١) " رسالة في حقيقة التأويل " (١١٩)

<<  <   >  >>