الغاية والغرض = فإذا ثبت ذلك؛ كان جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - مناسبًا لسؤالهن، بعد أن أطْلَعَهُ الله تعالى على أيِّ نسائه أسْرَع به لحوقًا، مضمنًا جوابه ما يُلمِحُ بأن هذه الفضيلة تُدرَك بفضيلة. فالقرينة المبينة لخطابه محتفّة بجوابه - صلى الله عليه وسلم -، وانقداح الظاهر المُتوهم لأزواجه -رضي الله عنهن- لا يرفع الظاهر الحقيقي الذي أراده النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فيكون فوات الصواب في فهم مراده - صلى الله عليه وسلم - واقع منهن. وجائزٌ أن يفوت فهم مراده عن بعض أَفراد أَصحابه؛ وإِنما الممتنع -والذي هو مَحلُّ النزاع- أَن يفوت الظاهر على جميع أصحابه - رضي الله عنهم -.
فإن قيل: تَرْكُه - صلى الله عليه وسلم - لهن على ما فهمنه من خطابه؛ بدليل المقايسة بينهن = برهانٌ على إقراره - صلى الله عليه وسلم - على الخطأ؛ وهو المطلوب إثباته.
فيقال: يكون التَّرك إِقرارًا لو أنَّ المُقايسة بالأيدي وقعت بحضرته، أو في حياته، أو حصل التصريح بهذا الظاهر المتوهَّم من خطابه - صلى الله عليه وسلم - أمامه = وكل ذلك لم يُقِم العلامة عبد الرحمن المعلمي برهانَ التصحيح عليه. والذي يبرهن أن هذا الإقرار منه - صلى الله عليه وسلم - على خطأ الظاهر الذي فهموه منتفٍ = هو ما أخرجه الحاكم في مستدركه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأزواجه:(أسرعكن لحوقًا ... بي أطولكن يدًا) قالت عائشة: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إِحدانا بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنمدُّ أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نَزَل نفعل ذلك حتى تُوفّيت زينب بنت جحش ... ) (١)
فهذا برهان صَادِعٌ يُبطِل القول بإمكان إِقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - أَصحابه على خطأٍ فهموه من خطابه.
(١) أخرجه الحاكم كتاب " معرفة: الصحابة " باب " ذكر زينب بنت جحش ل" (٤/ ٢٥) قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه ولم يتعقبه الذهبي، واستشهد به= =الحافظ ابن حجر وصنيعه يدل على صحة الحديث عنده انظر: "فتح الباري" (٣/ ٣٦٣)