للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعد بيان مناحي الغَلَط في كلام العلامة عبد الرحمن المعلمي: يبقى السؤال: هل يمكن أَن يظهر للمتأخرين معنى صحيح في نفسه للخبر الشرعي لا يناقض ما ظهر للمتقدمين من سلف هذه الأمّة؟

= والجواب: نعم، قد يكون في الخبر الشرعي المنطوي على إِشاراتٍ للأمور الكونية والطبيعية، ما يُفهم من ظاهره لمن كان في زمن التشريع معنى صحيحًا، ثم يظهر للمتأخرين بَعدُ بوسائلهم الحديثة معنى صحيح آخر قطعي الثبوت؛ يحتمله الخبر من جهة اللُّغةِ والسياق، ولا يناقض المعنى الأوَّل. وحينئذٍ يُمْكِن حَمْل الظاهر على هذين المعنيين؛ لأنَّ اللَّفظَ -حسبما تقرر في القواعد- متى احتمل معنيين وأمكن الجمع بينهما، لكون الاختلاف بينهما اختلاف تنوع لا تضادّ = جاز (١) .

والذي يعتقد أَن توظيف القرينة العقلية لفهم الخطاب؛ هو في جليَّة الأمر لا يعدو أَن يكون تقديمًا للعقل على النقل = فقد أَخطأ في اعتقاده؛ لأنَّ القرينةَ العقليَّة - كما سبقت الإبانة- فطريّة كانت، أو حِسِّيَّة= من مُحصلات الظاهر الذي قَصَدَهُ المُتكلِّم بكلامه. والتَمايزُ بين قولِ من يقول بأن العقلَ وظيفتُه تَطَلُّب مَقَاصد المُخَاطِبِ بخطابه، وبين قول من يَعدُّ ذلك تقديمًا للعقل = لائح، والاختلاف حقيقي، لا لفظي (٢) وبيان مدرك المُنَافَاةِ بين القولين يتأتّى في الوجهين التاليين:

الأوَّل: أَنَّ في هذا القول تَوْهينًا لجانب النَّصِّ، وإزهاقًا لِحُرْمتِهِ، ورَمْيًا له بجريانه على نقيض الدلائل العقلية القاطعة.

الثاني: أَنَّ من لوازم القول بالتقديم = إِهدارَ النَّصِ ودلالته، والاستغناء بالدلالة العقليَّة؛ فيكون مراد صاحب الخطاب غير مستفاد من خطابه ألبتَّة.


(١) انظر: " مقدمة في أصول التفسير " للإمام ابن تيمية (٥٠)
(٢) كما يقرره الشيخ أبو عبد الرحمن ابن عقيل - غفر الله له - في " قانون التوفيق بين الدين والعقل " (١٣١)

<<  <   >  >>