للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأَمَّا دَعوى الشيخ أَبوعبد الرحمن ابن عقيل الظاهري بأنَّ تقديم العقل "لا شنعة فيه، ولا محادّة للشَرْع" =فهي لاتصح.

وتعليله عدم الشناعة بالنظر إلى الأمور التالية، حيث قال:

١ - (أنَّ تقديم العقل لا يعني تقديم العقل في الرُّتبة. . بمعنى: أن ما تيقنه العقل أَصحّ مما جاء به الشرع = وإنما المعنى أَنّ يَقِيْنَ العقل متحقق في هذه الصورة، وهو دَالٌّ على أن نسبة الخبر إلى الشرع غير يقينية بهذا الوجه.

٢ - أنَّ التقديم ليس لِمُطْلَق ما قيل: إنه معقول؛ بل ما دخله الاحتمال من المعقولات المعارِضة للخبر؛ فلا يكون أولى بالتقديم. بل المجال هاهنا مجال ترجيح للشرع؛ لظهور صحّته، وقطعيته. ودخول الاحتمال على المعارض = وإنما التقديم لقطعيَّة عقليَّة لا يَرِدُ عليها احتمال.

٣ - أَن اليقين في العقل حاضر مُسْتدرك جلاؤه، وتصحيحه: بتحليله؛ حتى يقف عند ضرورة عقلية بدهية، أو ضرورة عقلية مكتسبة. والخبر تحصَّل لنا ظاهر صحته ثبوتًا ودلالة، ثم حَضَر يقين عقلي يشككنا فيه. وقد غَرْبَل المفكرون اليقين العقلي، فلم يَرِدْ عليه قادح. والخبر الذي ظاهره الصحة غير مستدرك وجه نقله؛ لأنه لمّا جاءنا مصحّحًا بلا خلاف = عَلِمْنا أن العلماء فاتهم وجه الخطأ في إسناده، أو دلالته؛ فكان ذلك غير مستدرك. وقد يَسْتَدرِك اللاحق ما لم يستدركه السابق. والاحتمالات غير المستدركة الواردة على الإسناد والدلالة كثيرة جدًّا ... ) (١)

= فهذا اعتلال في تضاعيفه صنوف من المآخذ، اسَّسَها على إمكان حدوث التعارض. والحقُّ - كما سلف - أنه لا تعارض بين الظاهر النقلي واليقين المحصل من العقل؛ فإن يقينَ العقل -إنْ تحقق في صورةٍ- دَالٌ على مَقْصَدِ النصّ، لا مُعارضًا له؛ كما تَوهّم. هذا أَمْرٌ.


(١) " قانون التوفيق بين الدين والعقل " (١٣٧ - ١٣٨)

<<  <   >  >>