الأمر الثاني: أَنَّ جزْمَه بانتفاء الاستدراك على اليقين العقلي لارتفاع القوادح عليه؛ دون الجزم بانتفاء الاستدراك على الخَبَرِ الذي لا خلاف في تصحيحه؛ لِفَوْت وجه الخطأ على العلماء في إسناده ودلالته = باطل؛ لأن انتفاء القوادح على المُقدِّمات اليقينيّة لا يلزم منه يقين نتائجها؛ لاحتمال عدم انتفاء القوادح على الواسطة بين المقدمات ونتائجها. فيكون مَنْبعُ الزلل من جهة تحقيق مناط المقدمة المتيقّنة على نتيجتها وفرعها. ثم إن الاتفاق على تصحيح الخبر دافع للاستدراك على صحته ثبوتًا ودلالة؛ لأن العصمة المحصّلة من الاتفاق أَقوى من مما يُظَنّ أنه يقين عقلي؛ لأَنّ إِجماع أَهل الحديث واقع على أَمر شرعي، يمتنع أَن يكون إجماعًا على خطأٍ؛ لسبق القضاء الكوني بِحفظِ الله لهذه الأُمة من نفوق الخطأ عليها. ثُمَّ إنَّه يمتنع أَن يُصحّح أئمة الحديث وصيارفته حديثًا مع معرفتهم بمخارج الحديثِ، وأَحوال الرُّواة، وما يَصِحُّ نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وما لا يَصِحُّ =ثُمَّ تقعُ الغفلة منهم عَن مُناقضة النَّص للضَّرورة العقليَّة!؛هذا لا يكونُ أَبدًا. والواقع برهان على ذلك.
لذا كان الصدور عن أحكامهم ونظرهم للأَخبار =هو القَدْر المتحتِمُ لزومه على من ليس من أَهل هذه الصِّناعة الشَّريفة.
يقول الإمامُ أَبوالمظَفَّرِ السَّمعاني - رحمه الله -: (اتَّفَقَ أَهلُ الحديثِ أَنَّ نقدَ الأَحاديثِ مَقْصورٌ على قومٍ مخصوصين فما قبلوه؛ فهو المقبول، وما ردُّوه فهو المردود. وهم أَبو عبدالله أحمد بن حنبل الشَّيباني، وأَبو زكريا يحي بن مَعين البغدادي، وأبو الحسن علي بن عبدالله المديني، وأبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ...... وجَماعةٌ يكثُر عددهم، ذكرهم عُلماءُ الأُمَّة =فهؤلاء وأَشْباههم؛ أَهل نَّقدِ الأحاديث، وصيارفَةُ الرِّجالِ. وهم المرجوعُ إليهم في هذا الفنِّ، وإليهم انتهتْ رئاسةُ العلمِ