للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى غير هذه الآيات الدالة على أَبديَّة الخلود في الدَّارين لأهلها، وعدم فنائهما (١)؛ إمّا بمنطوقها، أو بمفهومها.

وأمَّا مَن منَع بقاء الجنة والنار ودوامهما , فقد اعترض بما يلي:

الأول: امتناع ما لا يتناهى من الحوادث: وقد ذهب إلى ذلك الجهم بن صفوان؛ حيث قال بفناء الجنة والنار , واستحالة بقائهما. ومنشأ هذه الإحالة لِما استقرّ عند الجهم ومن جاء بعده من المتكلمين امتناع حوادثَ لا أوّل لها؛ لتثبيت القول بحدوث الأجسام، وأنّ ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث , وإبطال القول بقدم العالم = طَرَد الجهم بن صفوان الدليل , فقال بامتناع ما لا يتناهى من الحوادث.

وهذا الدَّليلُ البدعي اسْتَولَدَ صنوفًا من التعطيل لما تدل عليه كثير من النصوص , وكذا التعطيل لأفعال الرب تعالى.

وليس الغَرضُ في هذا المبحث الاسترسال في شرح دليل الحدوث، ومقدماته ولوازمه؛ إذْ باب الأسماء والصفات أَلْيَقُ بمثل ذلك , وإنّما الغَرضُ ضبْطُ أصل الجهم في نَفْيهِ لأبديّةِ الجنةِ والنَّار. فالجهم بن صفوان طَرَد دليلَه في امتناع ما لا يتناهى من الحوادث في الماضي والمستقبل؛ فكما أنه يستحيل عند الجهم ومن وافقه - من متكلمي المعتزلة الكلابية والأشاعرة والماتريدية - وجود حوادث لا أوّل لها في الماضي؛ كذلك يمتنع عنده وجود حوادث لا آخر لها في المستقبل.

فالله - تعالى عما يقول الظالمون - كان معطَّلًا عن الفعل وعن الكلام بمشيئته وقدرته؛ إذ كان ممتنعًا في الماضي ثم صار ممكّنًا , وكذا فيما يتعلق بالمستقبل، فالفعل منه يصبح ممتنعًا. وكذا نعيم الجنة وعذاب


(١) انظر: في استيفاء الكلام على هذه الدلائل"دفع إيهام الاضطراب"للعلامة محمد الأمين الشنقيطي (١٣٤ - ١٣٩).

<<  <   >  >>