للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: سبْق المشيئة له؛ إذ المشيئة تَسْبق الخلقَ، ولا خلق بلا مشيئة تستلزمها. وكما أن الخلق يستلزم المشيئة، فإن المشيئة تستلزم:

الثالث: سبْق العلم بها؛ إذ يستحيل إيجاده -جل وعلا- للأشياء مع الجهل؛ لأن إيجاد الأشياء بإرادة الرب تبارك وتعالى. وهذه الإرادة تستلزم تصوُّر المراد، فالإرادة مستلزمة للعلم قطعًا.

الأمر الرابع: إثبات أن للعبد فعلًا اختياريًا ينسب إليه، ووجه هذا اللزوم، أنه لا معنى من لوم موسى لآدم عليهما السلام على عَمَلٍ لا اختيار له فيه، ولم يَجْرِ احتجاجه عليه السلام بالقدَر لينفي اختياره؛ إذ لو كان كذلك للزم أيضًا أن يكون احتجاجه هو أيضًا لا اختيار له فيه؛ فلا تقوم الحجة إذَنْ. وسيأتي بيان فساد من فَهِم هذا الحديث على خلاف ظاهره.

والمقصود: أنَّ هذا الحديث، هو كما قال الإمام ابن عبد البر - رحمه الله -. متضمِّنٌ لمراتب الإيمان بالقدر التي انعقد إجماع أهل السنة عليه. وخلاصتها:

المرتبة الأولى: إثباتُ عِلمِ الله تعالى المُحيطِ بكل شيء، قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)} الملك: ١٤. وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} الأنعام: ٥٩ - ٦٠.

المرتبة الثانية: إثبات أن الله كَتب كلّ ما يكون من حين خلق القلم حتى قيام الساعة وأحصاه؛ فلا يخرج شيء عما كتبه. ومن الدلائل القرآنية على إثبات هذا الأصل: قول الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢)} الحديد: ٢٢.

<<  <   >  >>